أعلان الهيدر

Header ADS

أوال الكلمة

الأربعاء، 27 أغسطس 2025

الرئيسية أنا عنيف، إذًا أنا موجود

أنا عنيف، إذًا أنا موجود

عندما يصير العنف هوية الكل !

"عندما يتحول العنف إلى هوية: أنا عنيف، إذًا أنا موجود"وذلك في سياق الدولة، المجتمع، والهوية الجماعية، مع ربط نفسي، اجتماعي ووجودي بين العنف كتعبير عن الوجود والهوية الجماعية المنكسرة. 
 
"أنا عنيف، إذًا أنا موجود": عندما يصبح العنف هوية 
"لقد ضاع صوتي، فصرخت.
لم يرَني أحد، فضربت.
لم أعد أشعر بذاتي، فحرقت." 
في مجتمعات ترزح تحت وطأة التهميش، القمع، الإقصاء، والانهيار المعنوي، يصبح العنف أحيانًا ليس مجرد فعل، بل هوية.
ليس انحرافًا عن السلوك الإنساني، بل طريقة وحيدة للإحساس بالوجود. 
 
"أنا عنيف… إذًا أنا موجود." 
هذا ليس شعارًا للجريمة، بل صرخة وجودية من داخل جماعة أو فرد فقد كل وسائل التعبير، كل أشكال الاعتراف، وكل طرق الدخول إلى العالم. 
 
1. العنف كاسترجاع للذات: أنا أُؤلم، إذًا أنا 
الإنسان لا يولد عنيفًا.
لكن عندما تُسلب منه كل وسائل الاعتراف، يلجأ إلى أبسطها: الإيذاء.
لا يُسمَع؟ فيصرخ.
لا يُرى؟ فيُحدث دمارًا.
لا يُعترف به كإنسان؟ فيُثبت ذاته بالدم.
هنا، يتحول العنف من وسيلة إلى معنى.
ليس مهمًا ماذا يُضرب، أو من، بل أن الضرب يحدث.
لأن في اللحظة التي يُطلق فيها رصاصة، أو يُكسر زجاج، أو يُهان آخر، يشعر الفرد: 
"أنا هنا. أنا حي. أنا قادر على التأثير."
كما قال الفيلسوف جان بول سارتر: 
"الوجود يسبق الجوهر."
لكن في عالم الهشاشة، يُصبح:
"العنف يسبق الوجود."
 
2. الهوية الجماعية: عنف ضد الذات باسم الهوية 
ما يُصدم في العنف الجماعي (في الشوارع، المدارس، الأحياء، وحتى الإنترنت) هو أنه غالبًا ما يكون عنفًا ضد الذات:
شباب يُدمّرون ممتلكاتهم العامة.
أفراد يُهاجمون لغتهم، ثقافتهم، تاريخهم.
مجتمعات تُقدّس الدولة التي تُهمّشها.
هذا ليس تناقضًا، بل انعكاس لهوية منكسرة.
الجماعة التي لا تُعرَّف نفسها إلا من خلال ما يُفرض عليها من الخارج (الدولة، الإعلام، التعليم)، تفقد القدرة على التعبير عن ذاتها بطرق بنّاءة. 
فتُصبح هوية الدولة هي: القمع، المرور، التفتيش، الإذلال.
وهوية المجتمع هي: الغضب، التمرد العشوائي، التدمير. 
والنتيجة؟
عنف دوري: الدولة تُعنّف → المجتمع يُعنّف → الدولة تُعنّف أكثر.
وكل طرف يقول: "نحن ندافع عن النظام!"
بينما كلاهما يُدمّر الذات. 

3. الدولة كمصدر أول للهوية العنيفة 
الدولة لا تُكافح العنف، بل تُنتجه، حينما:
تُعلّم الأطفال أن السلطة تعني الضرب، الإهانة، التوقيف.
تُعامَل الفئات الهامشية كـ مُشتبه بهم دائمين.
يُصبح المدرّس شرطيًا، والطبيب مُراقبًا، والقاضي جلّادًا.
في هذه البيئة، يُصبح العنف اللغة الوحيدة المفهومة.
الولد الذي يُضرب في المدرسة، يُضرب في البيت، يُهان في الشارع، لا يتعلم إلا لغتين: الصمت أو الضرب. 
ولا يختار الصمت، لأنه يُشعره بالموت.
فيختار الضرب، لأنه يُشعره بالحياة. 
هنا، الدولة لا تُبني الهوية، بل تُدمّرها، ثم تُفاجأ حين يُصبح ابنها عنيفًا. 

4. العنف كتعبير عن الوجود: من "لا شيء" إلى "أنا هنا" 
الشباب الذي يُحرق حافلة، أو يُهاجم مدرسة، أو يُطلق تهديدات على الإنترنت، لا يفعل ذلك دائمًا لأنه "مجرم"، بل لأنه يريد أن يقول: "أنا هنا". 
لكن لا أحد يُعلّمه كيف يقولها بغير العنف.
لا مسرح، لا رياضة، لا فضاء تعبير.
فلا يبقى له سوى الصدمة كوسيلة للإسماع. 
"إذا لم تُسمعني وأنا أتكلم، فسأُحدث ضجيجًا وأنا أُدمّر." 
العنف هنا ليس هدفًا، بل وسيلة إنسانية يائسة للانتماء إلى الواقع. 
كما أن آرجن في "مريض الوهم" يقول: "أنا مريض، إذًا أنا موجود"،
فإن الشاب المهمّش يقول: "أنا عنيف، إذًا أنا موجود."
 
5. عنف ضد الذات: الكولونيالية الداخلية 
الأخطر هو أن العنف لا يتجه دائمًا نحو الخارج، بل نحو الداخل:
الشتائم باللهجة المحلية.
السخرية من اللغة الأمازيغية أو العامية.
كراهية الجسد، أو المكان، أو اللون.
هذا ما يُسمّى الكولونيالية الداخلية (Colonialité interne):
الفرد يُصبح حارسًا للقمع الذي يُمارس عليه.
يُكره ذاته، لأنه تعلّم أن الكرامة تأتي من الخارج. 
"إذا لم أكن مثلهم، فأنا ناقص."
"إذا لم أتكلم لغتهم، فأنا أمي."
"إذا لم ألبس ملابسهم، فأنا بدوي." 
وهنا، يصبح العنف ضد الذات، ضد الجماعة، ضد التاريخ.
 
الحل: بناء هوية غير عنيفة 
محاربة العنف بالقمع لا تُجدي.
الحل لا يكمن في "مزيد من الشرطة"، بل في:
إعادة بناء اللغة: تعليم الناس كيف يُعبّرون عن غضبهم بغير العنف.
إعطاء معنى للوجود: فضاءات ثقافية، رياضية، فنية، مدنية.
إقرار الهوية: اعتراف الدولة باللغات، الثقافات، التعدد.
إصلاح التعليم: من تلقين إلى تعبير، من خضوع إلى تفكير.
الاعتراف بالألم: الدولة يجب أن تقول: "لقد أذيناكم"، لا أن تُكرر الأذى.

لا تُدمر من يُعنّف... أعد له معنى الوجود
العنف ليس علامة على "ضياع الأخلاق"، بل على ضياع المعنى.
الشاب العنيف ليس وحشًا، بل ضحية نظام لم يُعلّمه كيف يكون إنسانًا في مجتمع لا يُريه مكانه. 

"أنا عنيف، إذًا أنا موجود"
هو تحوّل مأساوي لعبارة ديكارت:
"أنا أفكر، إذًا أنا موجود". 

لكن في عالم القمع، لا يُسمح بالتفكير.فيُصبح: 
"أنا أُؤلم، إذًا أنا موجود."
مهمتنا ليست معاقبة هذا الصوت،
بل إعادة بناء الأذن التي لم تُسمع،
وإعادة بناء العين التي لم ترَ،
وإعادة بناء الذات التي لم تُعترف بها. 
فلا يعود العنف هو الطريق الوحيد إلى الوجود. 
 
إيغوصار


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

imp

يتم التشغيل بواسطة Blogger.