لماذا نُصدّق الخرافة؟ تحليل نفسي واجتماعي لعقل يُحبّ اللامعقول
نحن فنيقيين ... جاك بينيت مؤسس الامازيغية !في زمن يُفترض أن يكون عصرَ العلم، والإنترنت، والذكاء الاصطناعي، لا يزال الملايين يُصدّقون أن "السحر يُحرّك السياسة"، أو أن "لغتهم الأصلية اخترعت في السبعينيات"، أو أن "تاريخهم الحقيقي مُختبئ في نظرية مؤامرة".
السؤال ليس: كيف يمكن لشخص عاقل أن يُصدّق هذا؟
السؤال الحقيقي هو: ما الذي جعل عقله عرضة لهذا الإيمان السهل باللامنطقي؟
السؤال ليس: كيف يمكن لشخص عاقل أن يُصدّق هذا؟
السؤال الحقيقي هو: ما الذي جعل عقله عرضة لهذا الإيمان السهل باللامنطقي؟
الخرافة ليست مجرد "كذبة"، بل هي منتج معقّد لجهاز نفسي واجتماعي مُرهق. إنها لا تنتشر في الفراغ، بل في تربة مُخصبة بالهشاشة، والتهميش، وضعف التعليم.
هذا المقال يحاول فهم الآليات الذهنية والنفسيّة التي تجعل الإنسان، حتى المُتعلّم أحيانًا، يُسلم بالخرافة بسهولة، ويُقاوم الحقيقة بشراسة.
هذا المقال يحاول فهم الآليات الذهنية والنفسيّة التي تجعل الإنسان، حتى المُتعلّم أحيانًا، يُسلم بالخرافة بسهولة، ويُقاوم الحقيقة بشراسة.
1. العقل البشري يكره الفراغ: الحاجة إلى التفسير
الإنسان كائن يبحث دومًا عن معنى. عندما يواجه ظاهرة غامضة — كالمرض، والفقر، أو التمييز — فإن عقله يرفض أن يقول: "لا أعرف".
الفراغ المعرفي يُولّد قلقًا نفسيًا، فيُسرع العقل إلى ملء هذا الفراغ بأي تفسير، حتى لو كان غير منطقي.
مثال:شاب من منطقة مُهمّشة يفقد وظيفته، ولا يجد تفسيرًا في النظام السياسي أو الاقتصادي، فيُصدق أن "الدولة لا تعين إلا الموالين"، أو أن "هناك سحرًا يُعيقه"، أو أن "أصل مشكلته هو لغته التي لا تُدرّس".
الفراغ المعرفي يُولّد قلقًا نفسيًا، فيُسرع العقل إلى ملء هذا الفراغ بأي تفسير، حتى لو كان غير منطقي.
مثال:شاب من منطقة مُهمّشة يفقد وظيفته، ولا يجد تفسيرًا في النظام السياسي أو الاقتصادي، فيُصدق أن "الدولة لا تعين إلا الموالين"، أو أن "هناك سحرًا يُعيقه"، أو أن "أصل مشكلته هو لغته التي لا تُدرّس".
هنا، الخرافة تُصبح استراتيجية بقاء نفسية. فهي تُعطي إحساسًا بالسيطرة: "إذا عرفت السبب، يمكنني مقاومته".
2. الهشاشة الاجتماعية: التربة الخصبة للخرافة
الخرافة لا تنتشر بالتساوي. هي تزدهر في البيئات المُهمّشة، حيث: التعليم ضعيف.
الفرص محدودة.
الدولة غائبة أو مُعادية.
الشعور بالعجز مُسيطر.
في هذه البيئات، يُصبح الإنسان جائعًا للعدالة، وللكرامة، وللفعل. وعندما تفشل السياسة، والتعليم، والاقتصاد في منحه هذه الحاجات، يلجأ إلى حلول رمزية: السحر، الدجل، نظريات المؤامرة، الأسطرة.
الفرص محدودة.
الدولة غائبة أو مُعادية.
الشعور بالعجز مُسيطر.
في هذه البيئات، يُصبح الإنسان جائعًا للعدالة، وللكرامة، وللفعل. وعندما تفشل السياسة، والتعليم، والاقتصاد في منحه هذه الحاجات، يلجأ إلى حلول رمزية: السحر، الدجل، نظريات المؤامرة، الأسطرة.
"لا أملك سلطة، لكنني أملك سرّ التاريخ."
"لا أُدرّس لغتي، لكنني أعرف أن أجدادي كانوا إلهًا."
هذا ليس جهلًا بسيطًا، بل انتقام رمزي من الواقع.
3. التلقين بدل التعليم: تدمير التفكير النقدي
هذا ليس جهلًا بسيطًا، بل انتقام رمزي من الواقع.
3. التلقين بدل التعليم: تدمير التفكير النقدي
من أخطر ما تُنتجه النُظم التعليمية في العالم العربي هو تدمير القدرة على التفكير النقدي.
الطالب يُعلّم أن: الحقيقة تأتي من الأعلى (المُعلّم، الدين، الدولة).
السؤال عدوان.
الاختلاف خيانة.
النتيجة؟ عقل لا يُفكّر، بل يُتلقّف.
عندما يسمع أن "الأمازيغية اخترعتها فرنسا في 1970"، لا يسأل: من هو جاك بنيت؟
هل هناك وثائق؟
ماذا تقول النُقوش القديمة؟
لا، يُصدّق لأن الراوي يبدو واثقًا، أو لأنه يُوافِق شعوره بالتهميش.
الطالب يُعلّم أن: الحقيقة تأتي من الأعلى (المُعلّم، الدين، الدولة).
السؤال عدوان.
الاختلاف خيانة.
النتيجة؟ عقل لا يُفكّر، بل يُتلقّف.
عندما يسمع أن "الأمازيغية اخترعتها فرنسا في 1970"، لا يسأل: من هو جاك بنيت؟
هل هناك وثائق؟
ماذا تقول النُقوش القديمة؟
لا، يُصدّق لأن الراوي يبدو واثقًا، أو لأنه يُوافِق شعوره بالتهميش.
كما قال المُربّي البرازيلي بولو فريري: "التعليم التلقيني هو أداة القمع. إنه يُحوّل الإنسان إلى وعاء يُملأ، لا إلى كائن يُفكّر."
4. الهوية المهددة: الخرافة كدرع وقائي
الإنسان لا يُصدق الخرافة فقط لأنها "منطقية"، بل لأنها تُشعره بالانتماء.
عندما تشعر جماعة أن هويتها مهددة (لغتها، تاريخها، دينها)، فإنها تُعيد بناء ماضيها بطرق خرافية، ليس لتضليل غيرها، بل لإعادة بناء كرامتها.
مثال:من يشعر أن لغته (الأمازيغية) "مُختلَقة" أو "مُستوردة"، قد يُصدّق أن "الأمازيغ هم الفينيقيون"، أو أن "فرنسا صنعت الأمازيغية لتُفرّق بيننا"...
كلها خرافات، لكنها تُعيد بناء شعور بالعراقة، والانتماء، والمقاومة.
عندما تشعر جماعة أن هويتها مهددة (لغتها، تاريخها، دينها)، فإنها تُعيد بناء ماضيها بطرق خرافية، ليس لتضليل غيرها، بل لإعادة بناء كرامتها.
مثال:من يشعر أن لغته (الأمازيغية) "مُختلَقة" أو "مُستوردة"، قد يُصدّق أن "الأمازيغ هم الفينيقيون"، أو أن "فرنسا صنعت الأمازيغية لتُفرّق بيننا"...
كلها خرافات، لكنها تُعيد بناء شعور بالعراقة، والانتماء، والمقاومة.
هنا، الخرافة ليست كذبًا، بل شعر جماعي، يُعيد للناس شعورهم بأنهم ليسوا مجرد فقراء، بل أحفاد أبطال مُنسين.
5.الشبكات الاجتماعية: مصنع الخرافة الحديث
في العصر الرقمي، أصبحت الخرافة صناعة سريعة.
مقطع فيديو مدته 45 ثانية، بخلفية موسيقى درامية، وصوت واثق، يمكنه أن يُغيّر عقيدة جماعة. العاطفة تغلب العقل: مقطع يُثير الغضب أو الفخر ينتشر أسرع من بحث أكاديمي.
غرفة الصدى: نحن نتابع من يُوافِقنا، فتتعمّق معتقداتنا، حتى لو كانت كاذبة.
إلهام الكاريزما: من يتحدث بثقة، يُصبح "مُفكّرًا"، حتى لو لم يقرأ كتابًا.
النتيجة؟
الخرافة لم تعد "هامة"، بل أصبحت جزءًا من الثقافة اليومية، تُدرّس في المقاهي، وتُتناقل في العائلات، وتُستخدم في الحملات الانتخابية.
6. الخرافة كفعل مقاومة رمزي
قد يُصدّق شخص ما نظرية مؤامرة ليس لأنه يملك دليلًا، بل لأنه يشعر أن النظام يكذب عليه.
في بلد تُدار فيه الأمور بسرية، وتُختبأ الوثائق، ويُكذب الإعلام، يصبح الشكّ في كل شيء "منطقيًا".
"إذا كانت الدولة تكذب في الاقتصاد، فلماذا لا تكذب في التاريخ؟"
هنا، تُصبح الخرافة شكلًا من أشكال المقاومة:
"أنا لا أُصدّقك، لأنك لم تُصدّقني يومًا."
في بلد تُدار فيه الأمور بسرية، وتُختبأ الوثائق، ويُكذب الإعلام، يصبح الشكّ في كل شيء "منطقيًا".
"إذا كانت الدولة تكذب في الاقتصاد، فلماذا لا تكذب في التاريخ؟"
هنا، تُصبح الخرافة شكلًا من أشكال المقاومة:
"أنا لا أُصدّقك، لأنك لم تُصدّقني يومًا."
الحل: ليس مكافحة الخرافة، بل بناء العقل النقدي
محاربة الخرافة بالسخرية أو القمع لا تُجدي.
الحل لا يكمن في قول: "أنتم تُصدقون خرافات"، بل في طرح سؤال أعمق:
لماذا لم يُعلّمكم أحد كيف تُفكّرون؟
الحل هو:
1. إصلاح التعليم: تعليم التساؤل، لا الحفظ.
2. إعادة بناء العلاقة مع التاريخ: عبر بحوث علمية، لا أسطرة.
3. تمكين الفقراء من المعرفة، لا من "الحلول السريعة".
4. تشجيع الحوار، لا فرض الحقيقة من الأعلى.
5. تأهيل الإعلام، ومحاربة التضليل الرقمي.
محاربة الخرافة بالسخرية أو القمع لا تُجدي.
الحل لا يكمن في قول: "أنتم تُصدقون خرافات"، بل في طرح سؤال أعمق:
لماذا لم يُعلّمكم أحد كيف تُفكّرون؟
الحل هو:
1. إصلاح التعليم: تعليم التساؤل، لا الحفظ.
2. إعادة بناء العلاقة مع التاريخ: عبر بحوث علمية، لا أسطرة.
3. تمكين الفقراء من المعرفة، لا من "الحلول السريعة".
4. تشجيع الحوار، لا فرض الحقيقة من الأعلى.
5. تأهيل الإعلام، ومحاربة التضليل الرقمي.
الخرافة ليست عدوانًا على العقل، بل نتيجة لعقل ممنوع
الخرافة لا تنتشر لأن الناس أغبياء، بل لأنهم جائعون للمعنى، مهدورو الكرامة، مهمّشون ثقافيًا.
العقل الذي يُصدّق أن "جاك بنيت اخترع الأمازيغية في 1970" ليس عقلًا خرافيًا، بل هو عقل ضحية — ضحية نظام لم يُعلّمه كيف يُفكّر، ولم يُرِه من هو حقًا.
الخرافة لا تنتشر لأن الناس أغبياء، بل لأنهم جائعون للمعنى، مهدورو الكرامة، مهمّشون ثقافيًا.
العقل الذي يُصدّق أن "جاك بنيت اخترع الأمازيغية في 1970" ليس عقلًا خرافيًا، بل هو عقل ضحية — ضحية نظام لم يُعلّمه كيف يُفكّر، ولم يُرِه من هو حقًا.
كما قال فريري:"الجهل لا يأتي من العقل الفارغ، بل من العقل الممنوع."
وحتى لا نُصبح نحن أيضًا جزءًا من هذا الجهاز، علينا أن نتوقف عن السخرية، ونبدأ في التفهّم، ثم التحرير.
لأن تحرير الشعوب لا يبدأ بفرض الحقيقة،
بل بتحرير العقول من الخوف، ومن التهميش، ومن القمع المعرفي.
إيغوصار
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق