أعلان الهيدر

Header ADS

أوال الكلمة

الأربعاء، 17 سبتمبر 2025

الرئيسية عندما يهاجر التاريخ !

عندما يهاجر التاريخ !

لماذا يوجد "فينيقيون" في شمال إفريقيا أكثر من لبنان؟ 

 

حين يتحول التاريخ إلى فستان أيديولوجي ضيق لا يناسب أحد، لكن الجميع يصرّ على ارتدائه.
في زمن صار فيه الانتماء مسألة مزاجية، والهوية تُباع في عبوات أيديولوجية محكمة الإغلاق، يخرج علينا مشهد عبثي: فينيقيون في شمال إفريقيا أكثر من لبنان نفسه! نعم، فينيقيون في كل مكان، إلا في صور وصيدا. وكأن التاريخ قرر أن يهاجر هو الآخر، بعد أن ضاق ذرعًا بمن يعبثون به.
 
 الهوية كوجبة سريعة: جاهزة، بلا تاريخ، بلا طعم
في شمال إفريقيا، حيث الأمازيغية تضرب جذورها في آلاف السنين، وحيث الحضارات تعاقبت كأمواج المتوسط، قرر البعض أن يختصر كل هذا في عبارة: "نحن فينيقيون".
 لماذا؟ 
لأن الفينيقيين كانوا تجارًا ناجحين، ولأنهم لا يزعجون أحدًا سياسيًا، ولأنهم ماتوا منذ زمن بعيد فلا يمكنهم الاعتراض. 
الهوية هنا ليست بحثًا عن الذات، بل هروب منها. إنها مثل اختيار جنسية على فيسبوك: "أحب الفينيقيين، إذًا أنا منهم".
 
 لبنان: حيث الفينيقيون يُستدعون عند الحاجة فقط
أما في لبنان، حيث الفينيقيون الحقيقيون عاشوا وماتوا، فالهويات تُستعمل كأدوات في معارك طائفية.
 الفينيقية هناك ليست انتماءً، بل ورقة ضغط، تُستخرج من الأدراج عندما تشتد المنافسة بين الطوائف. إنها مثل بطاقة "جوكر" في لعبة سياسية لا تنتهي.
 اللبناني لا يحتاج أن يكون فينيقيًا، لأنه مشغول بأن يكون مارونيًا، سنيًا، شيعيًا، درزيًا، أو أي شيء آخر حسب الموسم.
 
الأيديولوجيا: مصنع الهويات الجاهزة
من يصنع هذه الهويات؟
 إنها الأيديولوجيات التي تتغذى على الجهل، وتستثمر في الاغتراب. حين لا يعرف الإنسان من هو، يصبح مستعدًا لأن يكون أي شيء. فينيقي؟
 لماذا لا. فرعوني؟ 
ممكن. فايكنغ؟
 إذا تطلب الأمر. المهم أن لا يكون نفسه. المهم أن يهرب من الواقع، من التاريخ الحقيقي، من الأسئلة الصعبة.
 
 العبث بالإنسان: حين يصبح التاريخ أداة تزييف
النتيجة؟ إنسان بلا جذور، بلا سياق، بلا فهم. إنسان يردد شعارات لا يعرف معناها، يلبس هويات لا تناسبه، ويعيش في سرديات كتبها آخرون لأغراضهم الخاصة. الفينيقيون في شمال إفريقيا ليسوا مشكلة في حد ذاتهم، بل عرض لمرض أعمق: مرض الانفصال عن الذات، عن الأرض، عن الحقيقة.
 
 التاريخ لا يُرتدى كزيّ تنكري
إذا كنت فينيقيًا، فكن كذلك لأنك تعرف من هم، لا لأنك تكره من أنت. وإذا كنت أمازيغيًا، فلا تخجل من ذلك لأن أحدهم قال إن الفينيقيين "أكثر أناقة".
 الهوية ليست إعلانًا تجاريًا، ولا بطاقة عضوية في نادٍ سياسي. إنها رحلة فهم، لا قفزة في المجهول.

هل نبدأ أخيرًا في طرح السؤال الحقيقي: من نحن، بعيدًا عن الضجيج؟
 
إيغوصار 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

imp

يتم التشغيل بواسطة Blogger.