أعلان الهيدر

Header ADS

أوال الكلمة

الأربعاء، 27 أغسطس 2025

الرئيسية كتاب : التربية على ممارسة الحرية

كتاب : التربية على ممارسة الحرية

حول كتاب "بِداغوجيا المُستَضعَفين" لبولو فريري:

 
يُعد كتاب "بِداغوجيا المُستَضعَفين" (1970)، الذي كتبه المُربّي البرازيلي بولو فريري، عملاً أساسيًا في ميادين التربية، والفلسفة السياسية، والعلوم الاجتماعية. يُقدّم هذا الكتاب نقدًا حادًا للنُظُم التربوية التقليدية، ويطرح نهجًا تربويًا تحرريًا يركّز على تحرير الأشخاص المُستضعفين.
اقتباس شهير لبولو فريري:
 لا أحد يُعلّم غيره، ولا أحد يُعلّم نفسه وحده. بل يُعلّم البشر بعضهم البعض، في تأمّل وعمل مشترك على العالم.
1. نقد "البِداغوجيا المصرفية"
 يُدين فريري ما يسمّيه "البِداغوجيا المصرفية"، حيث يُقَدِّم المُعلّم المعرفة للطالب كأنه يودع مالاً في حساب بنكي. تحوّل هذه الطريقة الطالب إلى متلقٍ سلبي، وتُفقده قدرته على التفكير النقدي، والتساؤل، وتحويل الواقع. وتُكرّس هذه المنهجية القمع من خلال إبقاء المُهمّشين في موقف الخضوع.
 
2. التربية كممارسة للحرية
 في المقابل، يقترح فريري تربية تحررية تقوم على الحوار، والوعي النقدي (الإدراك الواعي)، والممارسة (العمل المُفكّر فيه). لا يجب أن تكون التربية أداة هيمنة، بل وسيلة للتحرر. ويجب أن تُمكّن الأفراد، وخاصة الأكثر تهميشًا، من فهم آليات القمع والعمل على تغيير واقعهم.
 
3. دور الحوار
 يُشكّل الحوار جوهر منهج فريري التربوي. وهو يفترض علاقة أفقية بين المُعلّم والمتعلّم، حيث يتعلم كل منهما من الآخر. لا يأتي العلم من الأعلى، بل ينشأ من تبادل الخبرات والواقع المعاش. ومن خلال الحوار يُطوّر الأفراد وعيًا نقديًا، ويُدركوا وضعهم كمستضعفين.
 
4. الإدراك الواعي (الكونسيونتيزاسيون)
 يُشير هذا المفهوم المركزي إلى العملية التي يُدرك من خلالها المُستضعفون وضعهم المُقموع ليس كمصير لا مفر منه، بل كواقع تاريخي يمكن تغييره. ويُعد هذا الإدراك الخطوة الأولى نحو التحرر.
 
5. مخاطر "الكرم الزائف"
 يحذّر فريري من أشكال "الكرم" التي يُظهرها المُستبدون تجاه المُستضعفين دون المساس بالهياكل القائمة على الهيمنة. إن هذه الرحمة الزائفة تحافظ على الوضع الراهن. لا يمكن أن يأتي التحرر الحقيقي من الأعلى، بل يجب أن يقوده المُستضعفون أنفسهم. 
 
6. التربية والتغيير الاجتماعي
 يؤكد فريري أن التربية ليست محايدة أبدًا: بل هي دائمًا سياسية. يمكن أن تُستخدم للحفاظ على النظام السائد أو لتحويله. ويجب أن تهدف التربية الحقيقية إلى العدالة الاجتماعية، والمساواة، والكرامة الإنسانية. 
 
يُعدّ "بِداغوجيا المُستَضعَفين" دعوة لإعادة التفكير في التربية كفعل سياسي تحرري. وبإسقاطه للمناهج التقليدية القائمة على الطاعة، يُقدّم فريري منهجًا تربويًا حواريًا، نقديًا، ومشاركيًا، يُحول فيه الأفراد، وخصوصًا المهمّشين، إلى فاعلين في كتابة تاريخهم. يبقى هذا الكتاب مرجعًا أساسيًا للمربّين، والناشطين الاجتماعيين، والباحثين في مجال العدالة والمساواة.
 
"بِداغوجيا المُستَضعَفين" – سلاح لطيف من أجل التحرر البشري
 الذين وُلدوا وهم يُحكّون أسنانهم لا يستطيعون فهم الابتسامات القسرية.
 بهذا يمكن تلخيص البصيرة العميقة لـ بولو فريري في كتابه "بِداغوجيا المُستَضعَفين"، الذي لا يُعدّ مجرد دليل تربوي، بل سلاحًا فكريًا في خدمة المهمشين، والصامتين، والمنسيين.
نُشر الكتاب عام 1970، في سياق الديكتاتوريات في أمريكا اللاتينية، والاستعمار الذهني، والأمية الجماعية، ولا يُعدّ هذا العمل مجرد بيان تربوي — بل هو تعرية سياسية، ونداء للكرامة، وأخلاق للثورة الهادئة
 
فريري، المربّي البرازيلي الذي نُفي بسبب أفكاره، يُفكّك في هذا الكتاب بوضوح قاطع ما يسمّيه "البِداغوجيا المصرفية": تلك الطريقة التي يُودع فيها المُعلّم المعرفة في عقل التلميذ كما يُودع صاحب البنك المال في حساب. ووفقاً له، لا تُكوّن هذه الطريقة مواطنين، بل تُنتج أشخاصًا خاضعين، مُهيّئين لقبول موقعهم في عالم غير عادل. إنها تُهين بقدر ما تُعلّم — إن علّمت.

مقابل ذلك، يقترح فريري تربية حوارية، نقدية، تحررية. لا يجب أن تكون المدرسة مكان هيمنة، بل فضاءً للإدراك الواعي، حيث يُعيد المتعلم، خاصة إن كان فقيرًا أو مُستضعفًا، اكتشاف قدرته على التأثير في العالم. فتعلّم القراءة، على سبيل المثال، لا يكمن في تفكيك الكلمات، بل في "قراءة العالم"، وفهم سبب وجود الفقر، ولماذا يُصدر البعض أوامر بينما يُطِيع الآخرون.

ما يُثير الإعجاب في هذا الكتاب هو إنسانيته الجذرية. لا يتحدث فريري عن المُستضعفين، بل يتحدث معهم. لا يُعاملهم كأجسام للرحمة، بل كفاعلين في تحررهم الذاتي. ويرفض "الكرم الزائف" للنُخب التي "تنقذ" الفقراء مع الحفاظ على البُنى التي تُقمعهم. بالنسبة له، التربوية الحقيقية هي ثورية، ليس بالعنف، بل بالـ وعي.

وهنا تكمن جمالية هذا العمل: فهو يؤمن بـ القوة التحويلية للكلمات عندما تُستخدم بشكل صحيح. حوار صادق، سؤال جيّد، قصة مشتركة، يمكن أن تُهزّ قرونًا من القمع. التربوية هنا ليست أداة لاستمرارية المجتمع — بل تصبح فعل مقاومة.

بعد أكثر من خمسين عامًا على صدوره، لم يفقد كتاب "بِداغوجيا المُستَضعَفين" شيئًا من قوّته. إنه يُسائل المربّين، والناشطين، والمواطنين: كيف نُعلّم دون هيمنة؟ كيف نتعلّم دون خضوع؟ كيف نُغيّر العالم دون تدميره؟

في زمن تُختزل فيه المدرسة غالبًا في مصنع للمهارات، وتُوحّد فيه البرامج وتُتجانس العقول، يبقى هذا الكتاب نورًا في الظلام. يُذكّرنا بأن التربية، عندما تكون صادقة، تُحرّر.

في جملة واحدة:
 "بِداغوجيا المُستَضعَفين" أكثر من مجرد كتاب عن المدرسة: إنه صرخة أمل، تُمكّن كل إنسان، حتى الأكثر تواضعًا، من أن يقول يومًا: "أنا أفكر، إذًا أنا موجود. أنا أتكلم، إذًا أُغيّر العالم."
 
إيغوصار 
 
 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

imp

يتم التشغيل بواسطة Blogger.