ثفسكا نتمنزوث ثكوكث اوراس 2025
حتى الاسواق لها هوية
"الأسواق في شمال إفريقيا: البعد الأمازيغي كهوية متجذرة في الفضاء التجاري"
في شمال إفريقيا، لا تُعد الأسواق مجرد فضاءات اقتصادية، بل هي تجسيد حي لهوية الشعوب التي أنشأتها، وعلى رأسها الأمازيغ. لقد شكّلت الأسواق عبر التاريخ مرآة تعكس الثقافة الأمازيغية، من حيث التنظيم، اللغة، المنتجات، وحتى الطقوس الاجتماعية. فالسوق ليس فقط مكانًا للبيع والشراء، بل فضاءً ثقافيًا يحمل بصمة أمازيغية عميقة، تُعبّر عن روح الجماعة، والارتباط بالأرض، والاحتفاء بالتراث.
السوق الأمازيغي: تنظيم ينبع من الحكمة الجماعية
أمين السوق (أمغار): في العديد من المناطق الأمازيغية، يُشرف على السوق "أمغار" أو "أمين السوق"، وهو شخصية منتخبة من المجتمع، مسؤولة عن تنظيم النشاط التجاري، فض النزاعات، وضمان العدالة بين التجار.
حسب الحرفة: الأسواق الأمازيغية غالبًا ما تُقسم إلى فضاءات متخصصة: سوق الحرفيين، سوق الفخار، سوق الحبوب، وكل قسم يعكس مهارة جماعية متوارثة.
الزمن والدورة: الأسواق تُقام في أيام محددة من الأسبوع، وتُرتبط بدورات فلاحية أو دينية، مما يُظهر العلاقة الوثيقة بين السوق والطبيعة في الثقافة الأمازيغية.
السوق كفضاء للهوية الأمازيغية
اللغة الأمازيغية كوسيلة تواصل: في الأسواق التقليدية، كانت اللغة الأمازيغية هي الوسيلة الأساسية للتفاوض، مما جعل السوق فضاءً حيًا لحفظ اللغة وتداولها.
المنتجات ذات الرمزية الثقافية: الحلي، الزرابي، الأقمشة، وحتى النقوش على الفخار، كلها تحمل رموزًا أمازيغية تعكس معتقدات وهوية المجتمع.
اللباس والمظهر: السوق يُعد منصة لعرض اللباس التقليدي، مثل "تاقندورت" و"أوشن"، مما يُعزز حضور الهوية البصرية الأمازيغية.
السوق كمشهد اجتماعي أمازيغي
فضاء للتلاقي والتضامن: السوق هو المكان الذي تلتقي فيه القبائل، تُعقد فيه التحالفات، وتُرتب فيه الزيجات، مما يجعله مركزًا للحياة الاجتماعية.
الاحتفالات والمواسم: بعض الأسواق تُقام بالتزامن مع المواسم الزراعية أو الأعياد، مثل "أسوقو ن تافسوت" (سوق الربيع)، حيث يُحتفل بالخصوبة والتجدد.
المرأة في السوق: في العديد من المناطق الأمازيغية، تلعب المرأة دورًا محوريًا في السوق، سواء كبائعة أو كمبدعة في الحرف اليدوية، مما يُبرز مكانتها في الاقتصاد المحلي.
رغم أن الأسواق الأمازيغية ما زالت تحتفظ بجاذبيتها، إلا أن عوامل مثل التمدن، العولمة، وتهميش اللغة الأمازيغية تهدد هذا الفضاء. التحول نحو المراكز التجارية الحديثة، وتراجع الحرف التقليدية، يُضعف من حضور الهوية الأمازيغية في السوق. ومع ذلك، هناك جهود محلية لإحياء هذه الأسواق، عبر تنظيم مهرجانات، ودعم الحرفيين، وتعزيز استخدام اللغة الأمازيغية في الفضاء العام.
الأسواق في شمال إفريقيا ليست مجرد فضاءات اقتصادية، بل هي تجسيد حي للهوية الأمازيغية، التي تتنفس عبر التنظيم، اللغة، الحرف، والعلاقات الاجتماعية. الحفاظ على هذه الأسواق هو حفاظ على ذاكرة جماعية، وعلى روح شعبٍ جعل من السوق فضاءً للكرامة، التبادل، والانتماء.
إيغوصار
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق