أعلان الهيدر

Header ADS

أوال الكلمة

الأربعاء، 27 أغسطس 2025

الرئيسية الوهم والخرافة

الوهم والخرافة

مريض الوهم" وخرافات العقل: عندما يُصبح اللامعقول حقيقة نفسية 

في مواجهة الموت، والفقر، والهشاشة، لا يبحث الإنسان دائمًا عن الحقيقة.
بل يبحث عن معنى، وحماية، وكرامة.
هنا، يُصبح الوهم خلاصًا، والخرافة علاجًا، واللامنطقي منطقيًا

هذا ما يُوحّد بين آرجن، البطل المريض في مسرحية موليير، وبين الفرد الذي يُصدّق نظريات المؤامرة، أو ينكر تاريخه، أو يؤمن بخرافات لغوية وتاريخية.
قد يبدو الأول كوميديًا، والثاني جادًا، لكن كلاهما يُعاني من مرض نفساني مشترك: عجز العقل عن تحمل الحقيقة الوجودية أو الاجتماعية كما هي. 
في مسرحية "مريض الوهم" والمجتمع الذي يصدق" الخرافة؟"، نكتشف أن الوهم والخرافة هما وجهان لنفس الظاهرة الإنسانية: الهروب من الواقع عبر بناء عالم بديل، يُعطي إحساسًا بالسيطرة.

1. الخوف من الحقيقة: جذر الوهم والخرافة
في "مريض الوهم": 
آرجن لا يُبالغ في مرضه لأنه مجنون، بل لأنه يُدرك أن الموت حقيقي، ويرفض مواجهته بلا وسيلة دفاع.
فيُحوّل مرضه إلى هوية، ويجعل من الأطباء حراسًا بينه وبين الموت.
الوهم هنا ليس إنكارًا للواقع، بل استراتيجية بقاء نفسية.

في "مَن يُصدّق الخرافة": 
الشخص الذي يُؤمن أن "لغته اخترعت في 1970"، أو أن "أجداده كانوا فينيقيين"، لا يُصدّق ذلك لأنه لا يملك عقلًا، بل لأنه يُعاني من هشاشة هوية.
الحقيقة — أن لغته مُهمّشة، وأن تعليمه لم يُدرّسه إياها، وأن الدولة تتجاهل وجوده — هي حقيقة قاسية.
فيبني بدلًا منها خرافة تُعيد له الكرامة: "نحن قوم عظام، وسرّنا مُختبأ".
 
التشابه:
كلاهما يُعيد تشكيل الواقع: آرجن: "أنا مريض، إذًا أنا مُهتمّ، مُراقَب، مهمّ".
صاحب الخرافة: "لغتي مُختلَقة، إذًا أنا ضحية مؤامرة، لست تافهًا".

2. السلطة الزائفة: الطبيب والعالم، الدجال والمؤرخ 
في "مريض الوهم": 
الأطباء في المسرحية ليسوا عُلماء، بل متفرعنون يتكلمون بلغة لا يفهمها أحد، ويصفون علاجات تُضر أكثر مما تُنفع.
لكن آرجن يُحبّهم، لأنهم يُمنحونه إحساسًا بالانتماء إلى عالم "العلم"، ولو كان وهميًا. 
الطبيب هنا هو رمز السلطة المعرفية الزائفة.

في "مَن يُصدّق الخرافة": 
الشخص المُهمّش يُصدّق من يلبس "رداء المعرفة": مُحاضر على اليوتيوب بلغة معقّدة.
شخص يُطلق على نفسه "باحثًا في التاريخ السري".
داعية يُقدّم "تفسيرات مخفية" للقرآن.

هؤلاء يُعيدون تمثيل دور الطبيب المولييري: يُخلطون الحقائق.
يُستخدمون مصطلحات تقنية لا معنى لها.
ويُقنعون الناس أنهم "يملكون السرّ".
 التشابه:
الخرافة لا تُصدّق بسبب منطقيتها، بل بسبب من يُقدّمها.
كما أن آرجن يُصدّق الطبيب لأن له شارة، فإن الناس يُصدّقون من له ميكروفون وخلفية سوداء.

3. الهوية البديلة: من الضحية إلى البطل 
في "مريض الوهم": 
آرجن، في مجتمع لا يُقدّر كبره ولا حكمته، يُعيد تعريف نفسه: 
"لست مجرد عجوز، بل مريض نادر، حالة طبية فريدة". 
يُصبح مرضه وسيلة للسيطرة: يُهدد، يُفرض قراراته، يُجبر العائلة على الخضوع.

في "مَن يُصدّق الخرافة": 
الفرد المُهمّش يُعيد بناء هويته عبر الخرافة: 
"لسنا عربًا عاديين، بل أحفاد الفينيقيين!"
"لغتنا ليست لهجة، بل لغة مُختبأة صُنعت لتُفرّقنا!" 
هنا، الخرافة تُصبح أسطورة تحررية: لا أملك سلطة سياسية؟ لكنني أملك "سرّ التاريخ".
لا أُدرّس لغتي؟ لكنني أعرف أن "فرنسا خافت منها فصنعتها لتُوهمنا"!
 التشابه:
كلاهما يُحوّل الضعف إلى قوة رمزية.
الوهم والخرافة ليسا كذبًا، بل انتقام من الواقع.

4. العلاج بالوهم: الكوميديا كتراجيديا مُقنّعة 
في "مريض الوهم": 
موليير يستخدم الكوميديا ليس للتسلية، بل لـفضح التراجيديا.
كل ضحكة على حساب آرجن هي في الحقيقة بكاء على حالة الإنسان المُستسلم للخوف، والمجتمع الذي يستغله.

في "مَن يُصدّق الخرافة": 
السخرية من "الشخص الذي يُصدّق أن الأمازيغية اخترعت في 1970" هي سخرية سطحية.
العمق يكمن في أن هذا الشخص ضحية نظام فشل في تعليمه هويته.
السخرية لا تُصلح، بل تُعمّق الجرح.
 التشابه:
الكوميديا في كلا الحالتين تُخفي تراجيديا إنسانية: الإنسان الذي يُصبح مرضه هويته.
الجماعة التي تُصبح خرافتها تاريخها.

5. الموت والهوية: الحقيقة التي لا تُحتمل
في النهاية، كل شيء يعود إلى الموت. آرجن يُحاربه بالوهم.
المجتمع يُنكره بالطب الزائف.
والخرافات التاريخية والدينية غالبًا ما تُبنى على نفي الفناء:
"أجدادنا ما زالوا حيّين فينا"، "لغتنا كانت دائمًا موجودة"، "نحن شعب أزلي". 
الخرافة، مثل المرض الوهمي، هي نفي للزوال.
ومن لا يُعطَه مكانًا في الحاضر، يبحث عن مكان في الأزل.

 الخلاصة: الوهم والخرافة... دفاعات نفسية ضد الواقع
الدوافع النفسية 
الخوف من الموت، الحاجة للعناية 
الخوف من التهميش، الحاجة للكرامة

أدوات الوهم 
المرض، الطبيب، الدواء 
التاريخ السري، المؤامرة، الأسطورة

السلطة المُستَهدفة 
العائلة، المجتمع 
الدولة، التعليم، الإعلام

الوظيفة النفسية 
إعطاء معنى، واستعادة السيطرة 
إعادة بناء الهوية، وتمييز الذات

الشكل الخارجي 
كوميدي 
جاد أو ثوري 

الجوهر الداخلي 
تراجيدي 
تراجيدي

 لا تَسخُر من المريض... قد تكون أنت المريض التالي 
موليير، وهو يُمثّل دور آرجن على المسرح وهو يُصارع الموت الحقيقي، كان يُصرخ بصمت: 
"لا تَسخروا من المريض، فكلنا مرضى، وكلنا نُصدّق وهمًا لنتحمّل الحياة".

الإنسان الذي يُصدّق أن "جاك بنيت اخترع الأمازيغية" ليس أضحوكة.
كما أن آرجن ليس مهرجًا.
كلاهما ضحية نظام فشل في إعطائهما الحقيقة بلغة إنسانية، وفي بناء هويتهما بلغة كرامة.

العلاج ليس السخرية، بل إعادة بناء الثقة في المعرفة، وفي الذات، وفي الجماعة.
أن نُعلّم الناس ليس فقط ما هي الحقيقة، بل كيف يعيشون معها. 
لأن الإنسان لا يُحتاج فقط إلى معلومات،
بل إلى معنى، وانتماء، ومكان تحت الشمس. 
 
إيغوصار



ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

imp

يتم التشغيل بواسطة Blogger.