العنصرية اللغوية في شمال إفريقيا بين الرمزي والهيمنة الثقافية
الأمازيغية والدارجة نموذجًا في بناء دولة بدون لغة الشعب
في المجتمعات المغاربية، تُستخدم الدارجة والأمازيغية يوميًا من قبل الأغلبية الساحقة، في البيوت والأسواق والمقاهي، وهي اللغتان اللتان تُعبّران عن المشاعر، النكت، الحكمة الشعبية، وحتى الاحتجاج. ومع ذلك، تُعامل هاتان اللغتان بازدراء ضمن الخطاب الرسمي، التربوي، والإعلامي، وتُقصيان من مجالات الثقافة "الراقية" والتعليم. فما أسباب هذا التحقير؟ وما أبعاده؟ وهل هو مجرد خيار لغوي أم ممارسة سلطوية مقصودة؟
1 الأسباب الظاهرة للتحقير
الاعتقاد بأنها "لغات ناقصة": تُتهم الدارجة الدارجة والأمازيغية بأنهما غير قادرتين على التعبير العلمي أو الأدبي، مقارنة بالعربية الفصحى.
الاعتقاد بغياب القواعد المكتوبة: لأنهما غير مقننتين رسميًا، يُنظر إليهما كفوضى لغوية لا تصلح للتدريس أو التوثيق.
ارتباطهما بالطبقات الشعبية: يُنظر إليهما كـ"لغتي العامة"، مقابل الفصحى التي تُربط بالنخبة، بالدين، وبالتراث العربي الإسلامي.
التحقير يعكس فجوة بين النخبة والشعب: النخبة تتحدث الفصحى أو الفرنسية، بينما الشعب يتحدث الدارجة والأمازيغية.
يُستخدم التحقير كوسيلة لفرض الهيمنة الثقافية، حيث تُحتكر اللغة "الراقية" في الإعلام والتعليم، وتُقصى لغات الناس.
2. بعد سياسي سلطوي
الدولة تُفضل الفصحى لأنها توفر رمزية الوحدة القومية والدينية، وتُسهل التحكم في الخطاب الرسمي.
الدارجة والأمازيغية، لأنهما حرتان وعفويتان، تُخيفان السلطة من حيث قدرتهما على التعبير النقدي والساخر.
3. بعد ثقافي هوياتي
التحقير يُخفي صراعًا حول الهوية: هل نحن عرب فقط؟ أم أمازيغ؟ أم خليط؟ الدارجة والأمازيغية، لأنهما هجنتان أو أصليتان، تُهددان السردية الرسمية النقية.
في بعض السياقات، يُنظر إلى الدارجة والأمازيغية كـ"تشويه" للغة العربية، مما يُغذي خطابًا تطهيريًا لغويًا.
3 الأهداف المعلنة لتحقير الدارجة والأمازيغية
الحفاظ على نقاء اللغة العربية: يُقال إن الفصحى هي لغة القرآن، ويجب حمايتها من "التلوث .
توحيد الخطاب الوطني: يُفترض أن الفصحى تُوحد الشعوب، بينما الدارجة والأمازيغية تُقسّمانها حسب المناطق أو الأعراق.
4 الأهداف غير المعلنة
تكريس الهيمنة النخبوية: من يتقن الفصحى أو الفرنسية يُمنح فرصًا أفضل في التعليم والعمل، بينما يُقصى المتحدثون بـالدارجة والأمازيغية.
إضعاف الروح النقدية: الدارجة والأمازيغية تحملان طاقة ساخرة، شعبية، مقاومة، يصعب التحكم فيها، لذا يُفضل تهميشهما.
5 إعادة الاعتبار ليس فقط ضرورة، بل حل للصراع اللغوي الهوياتي
الاعتراف بـالدارجة والأمازيغية لا يعني التخلي عن الفصحى، بل يعني الاعتراف بالتعدد اللغوي الحقيقي.
يمكن لـالدارجة والأمازيغية أن تكونا لغتي أدب، مسرح، تعليم أولي، وحتى إعلام، إذا ما أُعطيتا الشرعية.
إعادة الاعتبار لـالدارجة والأمازيغية هو إعادة اعتبار للناس أنفسهم، لثقافتهم، لذاكرتهم، ولحقهم في التعبير بلغتهم.
الخلاصة
تحقير الدارجة والأمازيغية ليس مجرد موقف لغوي، بل هو ممارسة سلطوية تُقصي الأغلبية من الفضاء الثقافي والسياسي. إنه شكل من أشكال العنف الرمزي، يُمارس باسم "النقاء اللغوي" و"الوحدة الوطنية"، لكنه يُخفي رغبة في السيطرة على الوعي الشعبي. إعادة الاعتبار لهما هو خطوة نحو ديمقراطية لغوية، تُعيد للناس لغتهم، وكرامتهم، وصوتهم.
إيغوصار
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق