أعلان الهيدر

Header ADS

أوال الكلمة

الأحد، 24 أغسطس 2025

الرئيسية سقوط جمهوريات الوهم

سقوط جمهوريات الوهم

 سقوط جمهوريات القومية العربية: تهاوي وهم بُني على وهم 

  كنا نبني وطنًا، فبنينا سجنًا باسم الوحدة، ودكتاتورية باسم الحرية، وفقرًا باسم الاشتراكية.
    مثقف عربي مجهول 

الوهم الذي هزّ الشرق 
في منتصف القرن العشرين، انتفض العالم العربي كعملاق مستيقظ من سبات الاستعمار. ظهرت جمهورية تلو الأخرى، ترفع شعارات نبيلة:
الوحدة، الحرية، الاشتراكية، الكرامة، التحرر الوطني.
كانت هذه الشعارات لبنةً في بناء ما سُمي بـ القومية العربية، أيديولوجيا سياسية وعدت بإنقاذ الأمة من التخلف، والوحدة من التشرذم، والكرامة من الذل. 
لكن اليوم، ما تبقى من تلك الجمهورية ليس سوى أنقاض: دويلات متصارعة، أنظمة أمنية، مجتمعات منهارة، وشعوب تائهة بين ذكرى الحلم وواقع الكارثة. 

السؤال ليس فقط: لماذا سقطت؟ بل، هل كانت قابلة للسقوط فقط في التطبيق؟ أم أن سقوطها كان محتومًا منذ اللحظة التي بُني فيها حلمها على وهم؟ 
هذا المقال يذهب إلى جوهر المأساة: أن تهاوي جمهوريات القومية العربية لم يكن نتيجة عوامل خارجية أو أخطاء تكتيكية، بل كان ناتجًا عن تناقضات جوهرية عميقة فشل في الفكرة قبل أن يكون فشلًا في التنفيذ. 

أولًا: الوهم الأيديولوجي وحدة بلا أساس، وهوية بلا جذور 
1. قومية بلا قوم 
القومية العربية قامت على فكرة أن اللغة تكفي لصنع أمة.
لكن الأمة لا تُبنى على لغة فقط، بل على: 
    تجارب مشتركة
    تواصل حضاري
    توافق على مشروع مجتمعي
    إرادة تعاقدية
بينما، في الواقع: 
الشعوب العربية كانت متفرقة ثقافيًا، دينيًا، عرقيًا، اجتماعيًا.تم فرض "الهوية العربية" على الأمازيغ في المغرب والجزائر، على الأكراد في سوريا والعراق، على القُبط في مصر، على الزنج في السودان، وعلى الطوائف في لبنان.
 فبدل أن تكون القومية تعبيرًا عن وحدة حقيقية، أصبحت أداة قمع ثقافي. 
2. الوحدة قبل التحرر؟ تناقض كارثي 
شعار "الوحدة قبل التحرر" كان من أخطر الأكاذيب: 
    كيف نوحد دولًا لم نُحرر شعوبها بعد؟
    كيف نوحد وطنًا وشعوبه لا تملك حرية التعبير، ولا ديمقراطية، ولا عدالة اجتماعية؟
الوحدة المفروضة من الأعلى، بقوة الدبابة والخطاب الإعلامي، ليست وحدة، بل احتلال داخلي باسم العرب.

 ثانيًا: التناقض الجوهري ثورات غير عرب ضد العرب، باسم العرب 
هنا تكمن النكتة السوداء للتاريخ الحديث: 
من قاد "الثورة العربية"؟ 
جمال عبد الناصر (مصر): من أصل قبطي، تربّى في ثقافة دينية مسيحية، وتأثر باليسار الغربي.
ميشيل عفلق (سوريا): كردي الأصل، مسيحي، علمني، شيوعي التوجه.
 صدام حسين (العراق): من بيئة شيعية، لكنه استخدم الخطاب السني والعربي لتكريس سلطته.
 معمر القذافي (ليبيا): استخدم الإسلام، أفريقيا، والثورية، لكنه خرج عن النسق العربي التقليدي تمامًا.
 أحزاب البعث: حكمت باسم "البعث العربي"، لكنها كانت تُدار من قبل أقليات دينية وعرقية (علويون، كلثيون، إسماعيليون).
    إذًا: الثورة العربية لم تكن عربية في مضمونها، بل كانت مشروعًا لغير العرب، استخدم العربية كغطاء أيديولوجي. 
تناقض فادح: 
    القومية تدّعي التعبير عن "الإرادة العربية".
    لكنها قادها من ليسوا من صلب الثقافة العربية الأصيلة.
    وحاربت من هم عرب حقيقيون (قبائل، فقهاء، متصوفة، شعراء شعب).

ثالثًا: الفكر الثوري — ليس عربيًا، بل مستورد 
ما مصدر فكر القومية العربية؟ 
ليس من ابن خلدون، ولا من الجاحظ، ولا من الفارابي، بل من: 
    هيجل (ألمانيا)
    ماركس (ألمانيا)
    لينين (روسيا)
    غيفارا (كوبا)
    مالكوم إكس (الولايات المتحدة)
تم استيراد: 
    مفهوم "الحزب الواحد"
    "الثورة المسلحة"
    "الزعيم المُخلّص"
    "الدولة التوتاليتارية"
    "الاشتراكية العلمية"
كلها مفاهيم غربية، صناعية، حديثة، لا علاقة لها بتراث العرب. 
    بينما كانت الحضارة العربية تقوم على: 
        الشورى
        التعدد
        العقد الاجتماعي
        احترام التراث
        رفض التبديل بالعنف
فجأة، أصبح الانقلاب العسكري هو "ثورة"، والزعيم هو "القائد التاريخي"، والمخبر هو "حارس الأمن القومي". 

رابعًا: التطبيق فشل محتوم لأن الجذور متعفّرة 
1. الدولة: مؤسسة أم سجن؟ 
    بُنيت الدولة على الجيش، والأمن، والإعلام، لا على القضاء، البرلمان، التعليم.
    غابت المؤسسات، وحلّت محلها الهالة الكاريزمية.
    لم تُخلق دولة قانون، بل دولة رجل واحد.
    "الدولة عند القوميين ليست خدمة عامة، بل أداة تغيير بالقوة." 
2. الاقتصاد: اشتراكية بلا عدالة 
    التأميمات لم تُغنِ الفقراء، بل خلقت بيروقراطية فاسدة.
    الاقتصاد الريعي (نفط، مساعدات) استُخدم لشراء الولاء، لا لبناء الإنتاج.
    انهارت الطبقة الوسطى، واتسعت الفجوة.
3. الحرية: في السجون باسم الشعب 
    من دعا إلى الحريات، اعتُقل باسم "العدو الداخلي".
    من طالب بالديمقراطية، وُصِف بـ"الرجعية".
    الصحافة، الجامعات، الأحزاب: كلها وُضعت تحت الرقابة.
    "كنا نحارب الاستعمار، فحلّ مكانه استعمار داخلي باسم التقدم."

خامسًا: النتيجة  تهاوي الوهم الذي بُني على وهم 
 1. انهيار الدولة 
    العراق: تفكك بعد 2003
    سوريا: حرب أهلية منذ 2011
    ليبيا: دويلات متناحرة
   اليمن السودان ...
    الجزائر: ثورات متكررة ضد النظام
    مصر: عودة للنظام العسكري تحت غطاء مدني

2. صعود البديل: من الوهم إلى الكابوس 
    انهيار القومية فتح الباب أمام:
        الإسلام السياسي (بديل أيديولوجي)
        الانتماءات المحلية (قبلية، إثنية، إقليمية)
        الاستبداد الجديد (بأقنعة مدنية أو دينية)
3. أزمة هوية 
    لم تعد "الهوية العربية" مقبولة عند الجميع:
        أمازيغ يطالبون بالاعتراف بلغتهم.
        كرد يطالبون بالحكم الذاتي.
        شباب يبحثون عن هوية رقمية، فردية، عالمية.
    القومية لم تُوحّد، بل قسّمت. لم تُحرر، بل أسرت. لم تُغنِ، بل أفقرت. 

سادسًا: الخلاصة وهم على وهم 
لقد بُني مشروع القومية العربية على أربعة أوهام: 
الوحدة باللغة
الوحدة تحتاج إلى تواصل حضاري، لا مجرد لغة
الثورة باسم الشعب
الثورة قادها من ليسوا من صلب الشعب
الاشتراكية في مجتمع غير منتج
لا يمكن بناء اشتراكية على ريع نفطي
الحرية بالقمع
لا حرية في ظل دولة أمنية توتاليتارية
    القومية العربية لم تسقط لأنها واجهت تحديات، بل لأنها كانت تحديًا في حد ذاتها: تحديًا للمنطق، للتاريخ، وللإنسان. 

خاتمة: ما بعد الوهم 
ربما حان الوقت ان يكون الحلم حلم الجميع ،  لكنه يحتاج إلى إعادة تأسيس: 
    ليس على أنقاض الاستعمار فقط، بل على أنقاض القومية العربية نفسها.
    يجب بناء دولة:
        مدنية (لا دينية ولا علمانية قسرية)
        تعددية (تُقرّ بالتنوع العرقي والثقافي)
        ديمقراطية (السلطة بالانتخاب، لا بالانقلاب)
        عادلة (لا ريع، لا فساد، لا امتياز)
    لأن الأمة لا تُبنى بقمع من لا يشبهني،
    بل باحترام من يختلف عني،
    وبوحدة في التنوّع،
    لا في التوحش. 
    "لقد سقطت الجمهوريات، لكن سقوطها قد يكون بداية الصحوة."

إيغوصار 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

imp

يتم التشغيل بواسطة Blogger.