أعلان الهيدر

Header ADS

أوال الكلمة

الاثنين، 18 أغسطس 2025

الرئيسية أحد أخطر مظاهر الخلل في أي نظام سياسي: الكذب والمراوغة كاستراتيجية

أحد أخطر مظاهر الخلل في أي نظام سياسي: الكذب والمراوغة كاستراتيجية

أحد أخطر مظاهر الخلل في أي نظام سياسي: الكذب والمراوغة كاستراتيجية 

 ما معنى "نظام سياسي يعتمد الكذب والمراوغة باستمرار"؟

 
هنا لا نتحدث عن أخطاء فردية، أو تضليل عابر من مسؤول، بل عن نظام — أي هيكل حكم، ومؤسسات، وشبكة قرارات — يُدار من خلاله الكذب ليس كخطأ، بل كأداة منظمة في إدارة السلطة.

هذا النظام لا يُخفي المعلومات فقط، بل يُعيد تشكيل الواقع، ويُروّج لروايات مزيفة، ويُستخدم الإعلام، والتعليم، والقضاء، كأدوات للتمويه بدل أن تكون أدوات للشفافية والعدالة.

ثانيًا: لماذا يلجأ النظام السياسي إلى الكذب والمراوغة؟ 
 
1. الحفاظ على السلطة بأي ثمن
 السبب الأساسي هو الخوف من الفقدان. عندما تكون السلطة هدفًا في حد ذاته، لا وسيلة لتحقيق مصلحة عامة، فإن الحاكم (أو الطبقة الحاكمة) يصبح مهووسًا بالبقاء، ولو على حساب الحقيقة.
الكذب هنا يصبح أداة للبقاء:
إخفاء الفشل في إدارة الاقتصاد.
إنكار الانتهاكات.
تضخيم "الإنجازات" الوهمية.
تصوير المعارضة كعدو للوطن.
 
2. غياب الشفافية والمساءلة
 في الأنظمة التي لا توجد فيها مؤسسات رقابية فعّالة (كالبرلمان المستقل، أو القضاء النزيه، أو إعلام حر)، لا يُحاسب الحاكم على أقواله.بالتالي، يصبح الكذب سلوكًا آمنًا: لا عقاب، ولا تبعات.
وكلما طال أمد غياب المساءلة، ترسّخ الكذب كجزء من "ثقافة الحكم". 
 
3. تعميق الفجوة بين الحاكم والمحكوم
 الكذب يُستخدم لخلق واقع موازٍ:
"البلد يسير نحو التقدم" بينما المواطن يعاني من الفقر."الحرب على الفساد مستمرة" بينما تزداد الصفقات المشبوهة."الحرية مكفولة" بينما تُقمع الأصوات المخالفة.
هذا الفصل بين "الرواية الرسمية" و"الواقع المعيش" يُضعف ثقة الناس بالحقائق نفسها، فيُصبحون مشتتين، مُحبطين، وغير قادرين على التنظيم. 
 
4. تعميق التبعية والسيطرة
 الكذب ليس فقط لإخفاء الحقيقة، بل لـتشكيل العقل الجماعي.
من خلال التكرار اليومي للروايات المضللة (عبر الإعلام، التعليم، الخطابات)، يُصبح الكذب "طبيعيًا"، بل "مقبولًا".
وهنا تكمن خطورته الكبرى:
لا يكفي أن يُكذب الحاكم، بل يريد أن يُقنع الناس بأن الكذب هو الحقيقة.

5. الاستخدام الاستراتيجي للغموض
  المراوغة — تغيير المواقف، تجنب الإجابات، التلاعب بالكلمات — تُستخدم كأداة للبقاء في السلطة دون التزام.
فالحاكم الذي لا يقول "نعم" أو "لا"، بل يقول "ربما"، أو "في الوقت المناسب"، يُحافظ على مرونة سياسية، لكنه يُفقد الناس الثقة في وعوده. 
 
ثالثًا: ما عواقب هذا النهج على المجتمع؟
 
 انهيار الثقة: عندما يكتشف الناس أن كل ما يُقال كذب، يفقدون الثقة ليس فقط بالحكومة، بل بالمؤسسات كلها: الإعلام، التعليم، القضاء، وحتى بعض المنظمات المدنية.
اللامبالاة السياسية: الناس يتوقفون عن المشاركة، لأنهم يرون أن "كلهم كاذبون"، فينكمش الفعل العام، وتضعف الديمقراطية.
تآكل الوعي النقدي: عندما يُروّج للكذب كحقيقة، يُصبح من الصعب على الناس التمييز بين الصدق والكذب، فيُسهّل التلاعب بعقولهم.
الانقسام المجتمعي: يُستخدم الكذب لتقسيم الناس: "نحن ضد هم"، "الوطنيون ضد الخونة"، "الداخل ضد الخارج"، لصرف النظر عن القضايا الحقيقية.
تدمير مستقبل الأجيال: الأطفال الذين يُربون في بيئة تُقدّس الكذب كوسيلة للنجاح، يُصبحون بالغين لا يؤمنون بالصدق، ولا بالعدالة، ولا بالمسؤولية. 
 
رابعًا: هل يمكن تغيير هذا الواقع؟
 نعم، لكن التغيير لا يأتي من القمة، بل من القاعدة.
العلاج يبدأ بـ:
إعادة بناء ثقافة الصدق: في التعليم، في الإعلام، في العلاقات اليومية.
تعزيز الشفافية والمساءلة: عبر مؤسسات مستقلة، وقوانين تحمي المُبلغين عن الفساد.
تمكين المجتمع المدني: ليعمل كرقيب على السلطة.
تشجيع النقد البناء: لا كرهاً للسلطة، بل كأداة لتصحيح المسار.
الوعي الجماعي: أن يفهم الناس أن الكذب ليس "ذكاء سياسياً"، بل جريمة ضد العقل والمجتمع.
 
النظام السياسي الذي يعتمد الكذب والمراوغة ليس نظامًا صحيًا، بل هو نظام مريض.
هو نظام يُعاني من خوف مزمن من الحقيقة، لأنه يعرف أن الحقيقة ستُسقطه.
ولكن الكذب، مهما طال، لا يبني دولة، ولا يصنع تقدمًا حقيقيًا.
إنه يُؤجل الأزمات، لكنه يُعمقها.
والتاريخ يُثبت أن كل نظام بُني على الكذب، سيسقط يومًا — ليس بالضرورة بفعل ثورة، بل بفعل انهيار داخلي: فقدان الشرعية، تفكك المؤسسات، وانعدام الثقة.

فالصدق ليس فقط أخلاقًا، بل هو شرط بقاء.
والكذب المستمر ليس سياسة، بل هو انتحار جماعي ببطء.

التغيير يبدأ حين يرفض الناس أن يُكذب عليهم.
حين يسألوا: "أين الحقيقة؟"،
وليس فقط: "من يحكم؟". 

إيغوصار 


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

imp

يتم التشغيل بواسطة Blogger.