الجذور، الشجرة، والبذور :رؤية أمازيغية شاملة للزمن والهوية
الماضي هو الجذور،
الحاضر هو الشجرة،
المستقبل هو البذور.
— حكمة أمازيغية
الجذور هنا ترمز إلى الأسلاف، واللغة (تامازيغت)، والعادات، والمعتقدات، والقصص الشعبية، والمواقف النضالية، وذاكرة المقاومة ضد الاستبداد والاستعمار. كل هذه العناصر ليست مجرد معلومات تاريخية، بل هي هوية حيّة. فالأمازيغي الذي لا يعرف جذوره، كشجرة لا تملك جذورًا: قد تبدو شامخة لحظة، لكنها تسقط أول عاصفة.
الاعتراف بالماضي لا يعني العيش فيه، ولا التشبّث به بشكل عقيم. بل يعني فهمه، وتقديره، واستخلاص الدروس منه. الجذور لا تُطالبنا بالعودة إليها، بل تطلب منّا أن نعترف بأنها هي التي تُمكّننا من الوقوف.
لكن الشجرة لا تعيش بمعزل عن جذورها، ولا يمكنها أن تستمر دون أن تُنتج بذورًا. هذا هو جوهر المسؤولية: أن ندرك أن الحاضر ليس فقط زمن الاستفادة، بل زمن العطاء. فالشجرة التي لا تُثمر، أو لا تُلقح بذورها، تصبح عاجزة عن إكمال الدورة الحياتية.
في السياق الأمازيغي، يُمثل الحاضر لحظة حاسمة: لحظة إحياء اللغة، وتعزيز الهوية، وفرض الاعتراف بالحقوق الثقافية والسياسية. إنها لحظة "الوقوف"، كشجرة شامخة في وسط صحراء قد تحاول محوها. لكن هذا الوقف لا معنى له إن لم يُترجَم إلى فعل إنجابي: تعليم الأطفال تامازيغت، تدوين القصص، بناء مؤسسات ثقافية، وتمكين المرأة الأمازيغية، وربط الجيل الجديد بجذوره.
كل كلمة ننطقها بالأمازيغية، كل طفل نعلّمه لغته، كل موقف ندافع فيه عن الكرامة، كل عمل فني أو أدبي نُنتجه، هو بذرة. والبذرة لا تضمن نمو شجرة، لكنها تخلق إمكانية النمو. والشعب الذي لا يزرع بذورًا، لا يمكنه أن يتوقّع غدًا.
هذا يضع على عاتق كل جيل مسؤولية أخلاقية: ألا يكون فقط وريثًا للماضي، بل حارسًا للمستقبل. فالهوية لا تُورَّث بالدم فقط، بل تُورَّث بالفعل. وإذا توقّف الزرع، تنقطع السلسلة.
الشجرة تُنتج البذور،
والبذور تُصبح جذورًا لشجرة جديدة.
وهكذا، لا يوجد فصل بين الأجيال. الجدّ لا يموت تمامًا ما دام حفيده ينطق بلغته. والطفل لا يبدأ من الصفر، بل يحمل في داخله جذور أسلافه وبذور أحفاده.
هذه الرؤية تُعيد تعريف الفردية: فأنا لست "أنا فقط"، بل أنا امتداد لمن سبقني، وبداية لمن سيأتي. وهذا يخلق شعورًا بالمسؤولية الجماعية، ويُعلي من قيمة التضامن عبر الزمن.
الهوية هنا لا تُبنى على النفي أو الانغلاق، بل على الاتصال. اتصال بالجذور، اتصال بالحاضر، واتصال بالغد. ولهذا، فإن كل محاولة لمحو اللغة أو تهميش الثقافة، ليست فقط اعتداء على الماضي، بل هي هجوم على المستقبل، لأنها تقتل البذور قبل أن تُزرع.
"شعب يعرف جذوره لا يخشى أي عاصفة.
وشعب يزرع بذورًا لا يخشى أي شتاء."
إنها رسالة تفاؤل وقوة. فالخوف من الذوبان، أو من الانقراض الثقافي، لا يُقاس بحجم التحديات، بل بمدى التمسّك بالجذور، وبكثافة البذور المزروعة.
الحفاظ على الهوية ليس تمسّكًا بالماضي، بل هو استثمار في المستقبل. وهو فعل مقاومة، وفعل حب، وفعل أمل.
فالجذور تُثبت،
والشجرة تُعبّر،
والبذور تُنذِر بمستقبل لا يُبنى من لا شيء،
بل من وعي، وذاكرة، ويد تمتد من الماضي إلى الغد.
إيغوصار
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق