أعلان الهيدر

Header ADS

أوال الكلمة

الاثنين، 25 أغسطس 2025

الرئيسية شمال افريقيا :الهوية قالب سلطوي لا مرآة ذاتية

شمال افريقيا :الهوية قالب سلطوي لا مرآة ذاتية

 الهوية في شمال إفريقيا: حين يُصاغ "أنت" داخل قالب "أنا" السلطوي

أسطورة الكهف؟
تخيل مجموعة من الأشخاص وُلدوا ونشأوا في كهف مظلم، وهم مقيدون من سيقانهم وأعناقهم، فلا يستطيعون رؤية إلا ما أمامهم على الجدار. خلفهم تقع نار، وأمامها طريق يمر به أشخاص يحملون أشياء. ينعكس ضوء النار على الجدار كظلال، فيظن السجناء أن هذه الظلال هي الأشياء الحقيقية .  افلاطون 
 
"الهوية هي أن تكون أنت، في شمال إفريقيا الهوية هي أن لا تكون أنت، بل أن تكون أنا دوما." هذا المقال يُحلّل البنية النفسية والاجتماعية والسياسية التي تُعيد إنتاج هذا الاغتراب الهوياتي، ويُفسّر كيف ولماذا تتحوّل الهوية إلى أداة قمع بدل أن تكون مساحة انتماء.
 
الهوية في شمال إفريقيا: حين يُصاغ "أنت" داخل قالب "أنا" السلطوي
عندما مرآتك توهمك
الهوية، في معناها الإنساني العميق، هي أن تكون أنت كما أنت: بلغتك، بثقافتك، بتاريخك، بجذورك، بتجربتك الخاصة. لكن في شمال إفريقيا، هذا المعنى يُقلب رأسًا على عقب. الهوية لا تُمنح للفرد ليعبّر بها عن ذاته، بل تُفرض عليه ليُشبه نموذجًا جاهزًا. النتيجة؟ أنت لا تُعرّف نفسك، بل تُعرَّف من الخارج. أنت لا تقول "أنا"، بل تُجبر على أن تقول "أنا كما يريدون".
  
الهوية كقالب سلطوي لا كمرآة ذاتية
منذ الاستقلال، تبنّت الأنظمة في شمال إفريقيا مشروعًا هوياتيًا قائمًا على التوحيد القسري:
العروبة كهوية لغوية وتاريخية مفروضة، حتى على غير العرب.
الإسلام السني كنموذج ديني وحيد، يُقصي كل تنوع داخله.
الفصحى كلغة رسمية مقدسة، تُقصي الدارجة والأمازيغية.
السردية المشرقية كأصل تاريخي، تُهمّش الجذور المحلية الإفريقية.
هذا المشروع لم يُبنَ على الواقع الاجتماعي، بل على وهم سياسي يُراد له أن يُوحد الجميع داخل قالب واحد. لكن هذا القالب لا يتسع للجميع، بل يُقصي كل من لا يُشبهه.
 
كيف يُمارَس هذا الإقصاء؟
من يتحدث الأمازيغية يُعامل كمنفصل عن "الهوية الوطنية".
من يُدافع عن الدارجة يُتهم بتشويه اللغة.
من يُسائل النموذج الديني يُهاجم ويُخوَّن.
من يُطالب بالاعتراف بالتعدد يُعتبر خطرًا على الوحدة.
الهوية هنا لا تُستخدم لتأكيد الانتماء، بل لتحديد من يُسمح له بالانتماء. هي ليست مساحة احتواء، بل أداة فرز.
 
النتائج النفسية والاجتماعية لهذا النموذج
اغتراب جماعي: الفرد يعيش بلغة، ويُدرّس بأخرى، ويُفكّر بثالثة.
انفصام هوياتي: المواطن يُجبر على إنكار ذاته كي يُقبل.
عنف رمزي: يُمارَس على الذات باسم "النقاء"، وعلى الآخر باسم "الوحدة".
نرجسية جماعية: تمجيد النموذج الرسمي، ورفض الاعتراف بالاختلاف.
 
 من "أنا كما يريدون" إلى "أنا كما أنا"
 المقولة التي انطلقت منها — "الهوية هي أن تكون أنت، في شمال إفريقيا الهوية هي أن لا تكون أنت، بل أن تكون أنا دوما" — تُجسّد بدقة هذا الاغتراب. في هذا السياق، "أنا" ليست الذات، بل النموذج الرسمي. و"أنت" لا تُقبل إلا إذا تماهت مع "أنا". وهنا يكمن القمع: في نفي الذات، في فرض التشابه، في تحويل الهوية إلى قناع لا يُشبه من يرتديه.

التحرر يبدأ حين يُعاد تعريف الهوية كحق، لا كقيد. حين يُسمح للفرد أن يقول "أنا" دون خوف، دون تبرير، دون وصاية. حين تُصبح الهوية مرآة، لا قالبًا. حين يُحتفى بالتعدد، لا يُخوَّن.

الهوية الحقيقية هي أن تكون أنت... كما أنت... لا كما يريدونك أن تكون.

إيغوصار

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

imp

يتم التشغيل بواسطة Blogger.