الهوية ككوميديا سوداء: كلنا "أنا"، لا أحد "أنت"
"الهوية هي أن تكون أنت، في شمال إفريقيا الهوية هي أن لا تكون أنت، بل أن تكون أنا دوما." نسلّط الضوء على واقع عبثي تُصاغ فيه الهوية كأداة قمع، لا كحق وجود، ويكشف كيف تتحوّل "الهوية الرسمية" إلى مرآة مشوّهة تُجبر الجميع على التشابه القسري.
الهوية في شمال إفريقيا: أن تكون أنا... وإلا فأنت لا شيء
في شمال إفريقيا، لا يُسمح لك أن تكون "أنت".
أنت لا تملك حق أن تُعرّف نفسك، أن تتكلم بلغتك، أن تعيش ثقافتك، أن تروي تاريخك.
الهوية هنا ليست انتماءً، بل مرآة مشوّهة تُجبرك على أن تقول: "أنا هو أنت الذي اختارته السلطة."
وإن لم تفعل؟ فأنت دخيل، مشوّه، انفصالي، رجعي، جاهل، وربما خائن.
الهوية الرسمية: قالب جاهز، خذ أو ارحل
في هذا المسرح الهوياتي الرديء، تُوزّع الأدوار مسبقًا:
أنت عربي، حتى لو لم تفهم جملة واحدة من الفصحى.
أنت مسلم سني، حتى لو لم تسأل يومًا عن معنى الإيمان.
أنت من اليمن، حتى لو لم تغادر جبال الأوراس أو صحراء تمنراست.
أنت تتكلم الفصحى، حتى لو كانت الدارجة لغتك الوحيدة.
أنت تُحب المشرق، حتى لو لم تعرف كيف تنطق "الخليج" دون أن تضحك.
الهوية هنا ليست اختيارًا، بل فرضًا.
ليست تجربة، بل عقوبة.
ليست انتماءً، بل اختبار ولاء.
الهوية ككوميديا سوداء: كلنا "أنا"، لا أحد "أنت"
تخيل أن تدخل إلى قاعة وتقول: "أنا أمازيغي"، فيُردّ عليك: "لا، أنت عربي، لا تُفرّق الأمة."
تقول: "أنا أتكلم الدارجة"، فيُقال لك: "هذه لهجة السوق، لا تصلح للعلم."
تقول: "أنا من إفريقيا"، فيُقال لك: "لا، نحن من المشرق، من اليمن، من حيث النقاء."
تقول: "أنا أريد أن أكون كما أنا"، فيُقال لك: "أنت تُهدد الوحدة الوطنية."
في هذا العرض المسرحي، كلنا نرتدي نفس القناع، نُردّد نفس الجملة، نُصفّق لنفس الخطاب، ونُقصي أنفسنا بأنفسنا.
الهوية كأداة قمع: من لا يُشبهني لا يستحق أن يكون
الهوية في شمال إفريقيا تُمارَس كعنصرية مقنّعة:
تُقصى الأمازيغية لأنها لا تُشبه النموذج الرسمي.
تُحتقر الدارجة لأنها لا تُناسب "اللغة المقدسة".
يُخَوَّن من يُطالب بالاعتراف بالتعدد.
يُسخر من التاريخ المحلي لأنه لا يمر عبر المشرق.
الهوية هنا ليست مرآة، بل سوط.
ليست انتماءً، بل إقصاء.
ليست "أنا كما أنا"، بل "أنت كما أريدك أن تكون... أو لا تكن."
لن نكون "أنا" المفروضة، بل "نحن" الحقيقية
الهوية ليست شعارًا يُرفع في خطابات رسمية، بل تجربة تُعاش في اللغة، في الذاكرة، في الجغرافيا، في الجسد.
أن تكون "أنت" ليس تهديدًا، بل حق.
أن تختلف ليس خيانة، بل حياة.
أن تقول "أنا أمازيغي"، "أنا جزائري"، "أنا من هنا"، "أنا كما أنا"... هو فعل مقاومة.
في شمال إفريقيا، آن الأوان أن نكسر القناع، أن نُعيد تعريف "نحن"، أن نُحرّر "أنا" من قبضة السلطة، من سخرية النخب، من عنصرية الخطاب.
الهوية ليست أن تكون أنا، بل أن تكون أنت... كما أنت... دوما.
إيغوصار
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق