الياز الأمازيغي ⵣ
الياز ليس علامةً فحسب، بل كائن رمزي حيّ يرفض أن يُحوَّل إلى "متحف لغوي" أو "حرف أسير" مهما كانت العبارات التي تحيط به أنيقة ومخلصة.
اليازⵣ مسافر بين المعاني: كل نص يمر عبره يُغنيه لحظة، لكنه يواصل طريقه، تاركًا أثرًا، وحاملًا معه احتمالات جديدة. هو أيضًا مرآة؛ من يقرأه يودع فيه خبراته، رؤيته للعالم، قلقه وأحلامه. لذلك، لا توجد قراءة أخيرة له، بل فقط طبقات تتكشف بلا نهاية.
وحكمة الياز تقول:
المعنى لا يُستَملَك، بل يُعاش ،والرمز الذي يقبل الأسر، يفقد روحه.
الياز، كما يراه المخيال الأمازيغي، أقرب إلى نبضٍ مفتوح على التأويل اللامحدود؛ إنه لا يستقر في إطار
الرمز ⵣ، “ياز”، ليس مجرد حرف في تيفيناغ ولا شعارًا يتوسط علمًا؛ إنه حضور كثيف لمعنى الحرية حين تغدو لغة وذاكرة وجسدًا في العالم. في انحناءاته وتقاطعاته، تستيقظ حكاية شعب اختار أن يسكن الزمن بدل أن يمرّ فيه، وأن يجعل من الثقافة فعل وجود لا زخرفة انتماء.
رمز حرية يتجاوز العلامة
“ياز” علامة تتخطّى وظيفتها الإشارية نحو أفق أنطولوجي: كلما رُفع، استعاد الأمازيغ حقّهم في التعريف بأنفسهم، وبناء علاقة متوازنة مع الأرض والسماء والآخر. شكله المتقاطع يتيح قراءات رمزية متعددة: لقاء خطوط الماضي والحاضر والمستقبل في نقطة توتر خلاقة؛ أو تآلف الإنسان مع الطبيعة والتاريخ؛ أو الجسر بين جبال وواحات وبحار تتقاسم نفس المصير. لهذا يظل “ياز” أفقًا مفتوحًا للتأويل، لا يُستنفَد في تعريف واحد.
الأبعاد الرمزية للياز
هوية حية:الهوية هنا ليست صندوقًا مغلقًا، بل نهرًا يتجدد دون أن يتخلى عن منبعه. “ياز” يذكّر بأن الانتماء فعل يومي: في اللغة المنطوقة، في الزخرفة، في الحِرفة، في الأغنية التي تحفظ ما لا تسعه الكتب.
حرية مسؤولة:معنى “أمازيغ” كـ“إنسان حر” لا ينفصل عن أخلاقيات الحرية: أن تختار دون أن تنفي الآخر، وأن تدافع عن كرامتك دون أن تنسى هشاشة الكائن البشري. حرية “ياز” ليست صرخة ضد أحد، بل وعدٌ لأجل الجميع.
زمن وذاكرة:يتقاطع في الرمز زمن الأسلاف مع نبض اللحظة. كل ظهور له هو استدعاء لذاكرة مقاومة وصبر، وتحويل الماضي من وثن جامد إلى قوة اقتراح للمستقبل.
طبيعة وتناغم:في المخيال الأمازيغي، الإنسان جزء من إيكولوجيا المعنى. “ياز” يحضر في الحِلي، في النسيج، على الأبواب والأواني، كأن الجمال حارس القيم، وكأن الفن طريقة للعيش في العالم برفق.
وجود مشترك:حين يُرى “ياز” في الفضاء العام، يصبح دعوة لكتابة عقد اجتماعي جديد: تعددي، عادل، يحفظ الاختلاف كشرط للعيش المشترك لا كتهديد له.
الثقافة ككينونة لا كامتلاك
La culture c'est plus qu'avoir , elle est être."Idles yerna ayla,t-tilla "Proverbe Amazigh
هذه الحكمة الامازيغية تكشف جوهر الحكمة الأمازيغية: الثقافة ليست مجموعة مقتنيات أو شعارات، بل كيفية في الوجود. أن “تكون” ثقافتك يعني أن تجسدها في علاقتك بالعالم: في العمل المتقن، في الكلمة الصادقة، في الضيافة، في العدل، في احترام الأرض التي تُطعمك. عندها يتحول “ياز” من شعار إلى أسلوب حياة؛ من حرف إلى ضمير أخلاقي يضبط إيقاع الفعل اليومي حتى يطابق القول.
الجذور والامتداد
Les Amazighs sont comme les arbres: ils sont rivées à leurs racines. M.Mammeri
ليس الالتصاق بالجذور حنينًا سكونيًا، بل شرطًا للنمو. الشجرة التي تعرف تربتها تُرسل أغصانها أبعد وتقاوم العاصفة. كذلك الأمازيغ: كلما تعمّق الجذر في التربة اللغوية والرمزية، اتسع الظل للآخرين. “ياز” هنا أشبه بحلقة وصل بين الجذر والتاج: يثبت الأصل، ويؤمّن الامتداد، حتى لا تتحول الحداثة إلى اقتلاع، ولا يتحول التراث إلى قيد. فالمعاصرة الحقيقية هي القدرة على حمل الماضي كزاد لا كعبء.
عرضنا وهديتنا للعالم :نحو أخلاق للحرية المشتركة
إذا كان “ياز” وعد الحرية، فهو أيضًا ميثاق مسؤوليتها: أن نحفظ تعدد الأصوات داخل الصوت الواحد، وأن نحول الجمال إلى حق عام لا امتياز خاص، وأن نبني لغة لقاء لا لغة استبعاد. حين نقرأ الرمز بهذه العين، نرى أن الثقافة فعل “كون”، وأن الجذور طريقٌ إلى الأفق لا أسوارٌ حوله. وعندها فقط يتحقق المعنى الأعمق لـ“ياز”: إنسانٌ حرّ، لأنه متجذر؛ متجذر، لأنه مفتوح على العالم.
إيغوصار
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق