"اللامبالاة، سلاح صامت للهيمنة"
لكن من ينتفع من هذا الاستسلام؟ ومن يبني، ويُربّي، ويُنمّي هذا الجوّ العام من اللامبالاة؟
ليس رجلاً واحداً. ولا حكومة واحدة. بل منطقٌ: منطق الهيمنة.
الهيمنة ليست فقط سلطة دولة أو طبقة. إنها ترتيب للعالم حيث يبدو كل شيء طبيعياً: التفاوتات، والاستغلال، والحروب البعيدة. عالم لا يثور فيه أحد، ليس لأنه راضٍ، بل لأنه يعتقد أن لا شيء يمكن أن يتغير. ولتحافظ هذه المنظومة على نفسها، تحتاج إلى أن نتوقف نحن عن التأثر.
هكذا تصبح اللامبالاة أداة للانفصال. تفصلنا عن بعضنا البعض. تحول الجار إلى غريب، واللاجئ إلى رقم، والبؤس إلى ديكور. وتدمّر ما يُشكل قوة الشعوب: التضامن. عندما لا يشعر أحد بالمسؤولية، لا يقوم أحد. وتستمر السلطة بهدوء في فرض قوانينها — قوانين السوق، والربحية، والسيطرة.
والأمر الأسوأ: أن اللامبالاة ديموقراطية. فهي لا تأتي من الأعلى كأمر صريح، بل تنشأ من الحياة اليومية، من عاداتنا، من شاشاتنا، من حياتنا المحمومة. وهي مُعوّلة، بل يُنظر إليها أحياناً كقيمة: نتحدث عن "ترك الأمور تسير"، و"عدم استنزاف الطاقة"، و"حماية الذات". وصحيح، علينا أن نحمي أنفسنا. ولكن ألا ننتهي، بفعل هذا الحماية المستمرة، إلى قطع صلتنا بالإنسان؟
إلا أن هناك شروخاً في هذه الدِرع المُحصّن باللامبالاة. لُطف في حي فقير. إضراب طلابي ضد الظلم المناخي. مجتمع يُستقبل، ويُشارك، ويُقاوم. إنها أفعال الانتباه. لأن نقيض اللامبالاة ليس الغضب — بل هو النظر. النظر إلى الآخر، دون حُكم، دون مسافة، دون حساب.
ربما لن تأتي الثورة من "الليلة العظيمة"، بل من الفجر الصغير حين يقرر شخص واحد ألا يُدير وجهه بعيداً.
إذاً، مقالاً بعد مقال، وفعلاً بعد فعل، ورابطاً بعد رابط، علينا أن نتمرّد على اللامبالاة. أن نرفض تطبيع الرعب. أن نعود إلى الشعور الأولي: الشفقة، والغضب العادل، والأمل.
فطالما بقي إنسان واحد يرفض أن ينظر بعيداً، فستكون هناك ثغرة في درع الهيمنة.ومن خلال هذه الثغرة، قد تدخل النور.
إيغوصار
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق