أعلان الهيدر

Header ADS

أوال الكلمة

الثلاثاء، 19 أغسطس 2025

الرئيسية الوحدة القاتلة: عندما يصبح التماثل إعدامًا جماعيًا للروح

الوحدة القاتلة: عندما يصبح التماثل إعدامًا جماعيًا للروح

 "الوحدة القاتلة" :عندما يصبح التشابه سلاحًا ضد الوجود

ليس الخلاف ما يُدمّر المجتمعات، بل الوهم بالوحدة.
ليست الفوضى ما يُسقط الأوطان، بل الانسياق الجماعي نحو التماثل القاتل.
ليست الكراهية للآخر هي المرض، بل الكراهية للذات عبر مرآة الآخر المُطابق.

نعيش اليوم في مجتمعات تُقدّس الوحدة كقيمة مطلقة، لكنها وحدة لا تقوم على التفاهم، بل على الإقصاء، لا على الحوار، بل على الصمت القسري، لا على التنوّر، بل على التكرار الأعمى. وحدة لا تُنضج، بل تُجمّد. وحدة لا تُوحّد، بل تُقسّم الداخل إلى "موالٍ" و"مُرتد"، إلى "وطني" و"خائن"، إلى "منتمٍ" و"غريب".

نحن، في كثير من واقعنا المعاصر، أنصار وحدة قاتلة وحدة تُقدّس التماثل، وتُجرّم الاختلاف، وتُحوّل المجتمع إلى جسد واحد، عين واحدة، لسان واحد، وقلب واحد... لكنه قلب لا ينبض، بل يُقرع كطبول الحرب الأهلية الصامتة.

التشابه: ليس تآلفًا، بل هوس

المأساة لا تبدأ بالكراهية، بل بـالتماثل الزائد.
نحن لا نختلف مع بعضنا لأننا مختلفون، بل لأننا متشابهون جدًا. نكره في الآخر ما نخفيه في أنفسنا: الضعف، التساؤل، التردّد، الحاجة إلى التغيير. نُسقِط على الآخر ما نرفضه في ذواتنا، ثم نُقدّس أنفسنا كـ"النقي"، "الصافي"، "الموحّد".

هذا التشابه ليس انسجامًا، بل هوس جماعي بالهوية، يُحوّل كل مُختلف إلى تهديد وجودي. حتى لو كان هذا المختلف ينتمي إلى نفس الدين، نفس العرق، نفس الأرض. المهم أنه لا يُصلي بالطريقة نفسها، لا يُفكر بالطريقة نفسها، لا يُحبّ بالطريقة نفسها.

وهنا تبدأ الجريمة النفسية الجماعية:

نُربّي الأبناء على الخوف من التفكير.
نُقدّس النموذج الواحد، ونُحرّض على كل من يخرج عنه.
نُحوّل التساؤل إلى خيانة، والشكّ إلى جُرم.
نُنتج أجيالًا تعاني من ازدواجية الوعي: تُنادي بالوحدة، لكنها تعيش في قلب الكراهية.
الكراهية: ليست ضد "الآخر"، بل ضد "الذات المُختلفة"

الخطر الأكبر لا يكمن في أننا نكره المختلف، بل في أننا نكره فينا ما قد يصبح مختلفًا يومًا ما.
الشاب الذي يتساءل عن الدين،
المرأة التي ترفض التقاليد،
المثقف الذي يُنقد السلطة،
الفنان الذي يُعبّر بجسده —
كل هؤلاء لا يُهاجمون فقط لأنهم "مختلفون"، بل لأنهم يُذكّرون الجماعة بما سحقته في نفسها.

الكراهية، إذًا، ليست خارجية، بل مُشاعَة داخليًا، ثم تُسقط على الخارج.
نحن لا نقتل "الخائن"، بل نقتل الاحتمالات التي كنا يمكن أن نكونها.

وهنا تكمن الإبادة النفسية الجماعية: مجتمع يُنكر إمكاناته، ويُقدّس نسخته المُجمّدة، كأنه يقول: "نحن لا نتطوّر، بل نُحافظ". والحفاظ هنا ليس حماية، بل تحنيط.

السياسة: عندما تصبح الوحدة أداة قمع

السلطة، في مثل هذه المجتمعات، لا تُحافظ على الوحدة، بل تُصطنعها.
تُخلع الوحدة على الناس كأنها فضيلة، بينما هي في الحقيقة أداة للسيطرة.

الوحدة هنا تعني:
لا معارضة.
لا تنظيمات مستقلة.
لا رأي عام، بل "رأي الجماعة".
لا دولة، بل "أمة واحدة" تُدار بالعاطفة، لا بالقانون.
 
النظام السياسي الذي يُقدّس الوحدة، هو نظام لا يحتمل الحياة. لأنه لا يحتمل:
التعدّدية.
التداول السلمي.
النقد.
التجربة والخطأ.

وبدلًا من بناء مؤسسات، يُبنى هيكل أيديولوجي موحّد، يُستخدم لتصفية الحسابات، وسحق المُختلف، وتبرير القمع باسم "المصلحة العليا"، "الاستقرار"، "الهوية".

النتيجة؟
مجتمع يمشي على سلك مشدود.
لا يُسمع فيه صوت، إلا صوت التزامن.
لا يُرى وجه، إلا وجه المُوافقة.
لكن تحت السطح، تتراكم القنابل.

القنابل الموقوتة: ما الذي سيحدث لاحقًا؟
 انفجار هويّة جماعية:
عندما يُكتشف أن "الوحدة" كانت وهمًا، وأن التماثل كان قمعًا، فسيأتي يوم يرفض فيه الجيل الجديد أن يُختزل في نموذج واحد. وعندئذ، لن يكون التغيير تدرّجيًا، بل زلزالًا.

ثورة ضد الذات الجماعية:
الأجيال الجديدة، التي نشأت في صمت مُقنّع، سترفض أن تُحاسَب على فكرها، عواطفها، هويتها. وستثور ليس فقط ضد السلطة، بل ضد الهيكل الأخلاقي والفكري الذي سحقها من الداخل.

انهيار الثقة في كل رمز جماعي:
الدين، القبيلة، الوطن، الأسرة — كل رمز كان يُستخدم لفرض "الوحدة" سيُصبح موضع شكّ. وعندما تسقط الرموز، لا يبقى شيء، إلا الفوضى أو إعادة البناء من الصفر.

حروب داخلية باسم "التطهير":
المجتمعات التي تُقدّس الوحدة ثم تنهار، لا تنتقل إلى الديمقراطية، بل إلى حروب أهلية رمزية وفعلية. كل طرف يدّعي أنه "الحقيقي"، والآخر "مُختلّ"، "مُخترق"، "مُستغرب".

الخلاصة: الوحدة ليست النجاة، بل قد تكون السقوط

نحن لا نحتاج إلى وحدة تُذيب الفرد، بل إلى تعدّد يُحيي الجماعة.
لا نحتاج إلى تشابه يُسكت، بل إلى اختلاف يُشعل الحوار.
لا نحتاج إلى هوية واحدة، بل إلى هويات متعددة تتعايش.

الخطر ليس في التفرّق، بل في الوهم بالاتّحاد.
الموت ليس في الخلاف، بل في الانسجام القسري.
الانفجار ليس في الاختلاف، بل في تراكم الصمت تحت وطأة التماثل.

وإن لم نبدأ اليوم في بناء مجتمعات تحترم الفرديّة كشرط للجماعية، فسنكون أمام مستقبل لا يُبشر بالخير:
أجيال تائهة، تبحث عن ذاتها في أنقاض الهوية.
مجتمعات تنفجر من الداخل، لأنها لم تتعلم أن تتنفس.
وحدة كانت تُبنى على الرمال، فانهارت مع أول نسمة حُرّة.
 
الوحدة القاتلة لا تُنقذ، بل تُهلك. والاختلاف، مهما أُسكت، سيُعلن نفسه ،إما حوارًاأو ثورة،أو دمارًا.
اخترنا الصمت.لكن التاريخ لا يُغفِر للذين كتموا صوت الحياة

إيغوصار


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

imp

يتم التشغيل بواسطة Blogger.