التابع والجهل المشروع في شمال إفريقيا
قراءة في تهميش الهويات المتقاطعة
في سياق ما بعد الاستعمار، تبرز المفكرة الهندية غاياتري سبيفاك كمصدر فكري عميق لفهم آليات التهميش داخل المجتمعات التي ورثت أنظمة الهيمنة الثقافية والسياسية. من خلال مفهومي التابع والجهل المشروع، يمكننا تفكيك الخطاب السائد في شمال إفريقيا، حيث تتقاطع الهويات اللغوية، الجندرية، العرقية، والطبقية لتنتج أشكالًا متعددة من الإقصاء.
تحديد عدة فئات تندرج تحت هذا المفهوم:
المرأة: تُختزل في أدوار تقليدية، وتُقصى من مواقع القرار، رغم مساهماتها التاريخية والثقافية.
الناطقون بالأمازيغية والدارجة: يُهمّشون لغويًا، وتُقصى لغاتهم من التعليم والإعلام الرسمي.
السود: يُقصون من التمثيل الثقافي والسياسي، ويُنظر إليهم كـ"آخرين" داخل المجتمع.
الفقراء: يُصورون كضحايا أو عبء اجتماعي، دون الاعتراف بقدرتهم على التنظيم أو التعبير.
المختلفون: يُجردون من حق التعبير عن الهوية، ويُقصون من الخطاب العام والديني.هذه الفئات لا تُقصى فقط بشكل فردي، بل كثيرًا ما تتقاطع هوياتها لتنتج تهميشًا مضاعفًا: امرأة أمازيغية فقيرة، أو رجل أسود مثلي، يعيشون تهميشًا مركبًا لا يُعترف به في الخطاب الرسمي.
الجهل المشروع، كما تصفه سبيفاك، هو تغييب متعمد تمارسه المؤسسات التعليمية والدينية والسياسية، حيث تُحذف تجارب معينة من التاريخ والثقافة وكأنها لم تكن. في شمال إفريقيا، نلاحظ هذا الجهل في:
المناهج التعليمية: لا تُدرّس مساهمات النساء، ولا يُذكر تاريخ الأمازيغ، ولا تُناقش قضايا الفقر أو الهوية الجنسية.
الإعلام: يُحتفى بالنموذج الذكوري، الغني، المعياري جنسيًا، بينما تُقصى الأصوات الأخرى أو تُشوه.
الخطاب الديني والسياسي: يُستخدم لتبرير الإقصاء، عبر مفاهيم "الطبيعة"، "الأخلاق"، أو "الوحدة الوطنية".
هذا الجهل لا يُنتج فقط غيابًا معرفيًا، بل يُعيد إنتاج التهميش جيلاً بعد جيل، ويُرسّخ صورة ناقصة للهوية الوطنية.
تطبيق مفاهيم سبيفاك لا يقتصر على التشخيص، بل يدعونا إلى الفعل:
إعادة الاعتبار للصوت المهمش: دعم منصات التعبير النسوي، الشعبي، والجنسي.
إصلاح التعليم والإعلام: إدماج هذه التجارب في المناهج والبرامج الثقافية.
الاعتراف بالتقاطع: فهم أن التهميش لا يُعالج إلا بفهم تداخل الهويات.
إيغوصار
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق