أعلان الهيدر

Header ADS

أوال الكلمة

الاثنين، 25 أغسطس 2025

الرئيسية شمال افريقيا :نحن في النهاية نحن لا أحد ؟

شمال افريقيا :نحن في النهاية نحن لا أحد ؟

 الهوية ككوميديا سوداء – كلنا "أنا"، لا أحد "أنت"

شمال افريقيا :نحن في النهاية نقول لانفسنا والعالم " نحن لا أحد" ؟ 

في مسرح العبث الذي نسكنه، تُعرض الهوية على خشبة من دخان، وتُقدَّم كوجبة سريعة في مطعم وطني لا يقبل التوابل المحلية. تدخل القاعة، تقول "أنا أمازيغي"، فيُصفّر لك الحضور وكأنك ارتكبت جريمة لغوية. تهمس "أنا أتكلم الدارجة"، فيُقال لك: "هذه لهجة السوق، لا تليق بالمنابر." تهمّ بأن تقول "أنا من إفريقيا"، فيُردّ عليك: "لا، نحن من اليمن، من حيث النقاء، من حيث الأصل الذي لا يُناقش."

الكوميديا السوداء هنا ليست في الردود، بل في الردود التي نحفظها عن ظهر قلب. في هذا العرض، لا أحد يرتجل، لا أحد يخطئ، لا أحد يُفكّر. كلنا نرتدي نفس القناع، نُردّد نفس الجملة، نُصفّق لنفس الخطاب، ونُقصي أنفسنا بأنفسنا. نُمارس الرقابة الذاتية بحماسة، ونُعيد إنتاج خطاب الإقصاء ونحن نظن أننا نحمي "الوحدة".

لكن أي وحدة هذه التي تُبنى على إنكار الذات؟ أي وطن هذا الذي لا يتّسع للهجاته، لألوانه، لأصوله المتشابكة؟ أي علم هذا الذي لا يقبل أن يُكتب بالدارجة، أو يُغنّى بالأمازيغية، أو يُرقص على إيقاع إفريقي؟

الكوميديا السوداء في الهوية ليست في الاختلاف، بل في الخوف من الاختلاف. في تحويل التعدد إلى تهديد، والذات إلى عيب، والانتماء إلى جريمة. نحن نضحك، لكننا نبكي من الداخل. نُصفّق، لكننا نُصفّق للفراغ. نُردّد "أنا"، لكننا لا نسمح لأحد أن يقول "أنت".

نحن في النهاية لا أحد" مرآة تعكس ما يحدث حين تُفرغ الهوية من معناها، حين يُطلب من الإنسان أن يكون نسخة، لا ذاتًا. حين يُقمع الاختلاف باسم الوحدة، ويُطمس الأصل باسم النقاء، ويُمنع السؤال باسم الاستقرار. "لا أحد" لا تعني العدم، بل تعني أننا أُجبرنا على التخلي عن الـ"أنا"، عن التعدد، عن التناقض الجميل الذي يصنع الإنسان. أصبحنا نردد ما يُقال لنا، لا ما نشعر به. نلبس ما يُفرض، لا ما نختار. نُعرّف أنفسنا بما يُناسب الخطاب، لا بما يُشبهنا. 

في النهاية، الهوية ليست شعارًا يُرفع، ولا بطاقة تُوزّع، ولا خطابًا يُلقَى. الهوية هي أن تكون كما أنت، دون أن يُقال لك: "أنت تُهدد الوحدة الوطنية."  

 إيغوصار 


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

imp

يتم التشغيل بواسطة Blogger.