أعلان الهيدر

Header ADS

أوال الكلمة

الخميس، 29 مايو 2025

الرئيسية الجنسية والهوية !

الجنسية والهوية !

إذا كانت الجنسية سياسية، فالهوية أنثروبولوجية !

في عالم تتغير فيه الحدود بسرعة تساوي تغير الأفكار، أصبح من الضروري التمييز بين ما ينتمي إلى الجنسية وما يتعلق بالـ هوية . إذ إن الأولى تندرج ضمن نطاق القانون والسياسة، بينما تغوص الثانية في جذور الأنثروبولوجيا، والثقافة، والذاكرة، وروح الشعوب.

الجنسية والهوية !
الجنسية هي انتماء قانوني وإداري. تُكتسب بالولادة على أرض معينة، أو بالتجنيس، أو بالانتماء القانوني. ويمكن أن تتغير. فقد يكون المرء بدون جنسية، ثم يحصل على واحدة، بل وأكثر من ذلك. وهي نتاج الدولة القومية أو الوطنية، حسب قوانينها ورموزها ولغتها الرسمية ومؤسساتها. فهي بالتالي سياسية بالمفهوم الحرفي: تعتمد على العلاقات التاريخية، المعاهدات، الاستقلالات، والاستعمار الغابر والحاضر.

أما الهوية ؟ فهذا أمر آخر. الهوية هي ما يجعل الفرد أو الجماعة يعترفان في نفسه بوجود تاريخ، ولغة أم، وأساطير تأسيسية، وشعائر، وعادات، ونظرة الى العالم. ليست بالضرورة مرتبطة بجواز سفر. يمكن لشخص أمازيغي يعيش في فرنسا أن يظل أمازيغيًا. لا يتوقف اليهودي البولندي الناجي من المحرقة عن كونه يهوديًا حتى لو كان يعيش في إسرائيل أو الولايات المتحدة. ويمكن لشخص بروتاني أن يحمل بروتانيا *في قلبه دون أن يكون قد غادر باريس قط.

الهوية هي أنثروبولوجية ، كونها تميز المجتمعات الإنسانية من خلال البعد الرمزي والروحي واللغوي. فهي مبنية على الاساطير الحكايات والتقاليد والروابط العائلية المنقولة كإرث غير مرئي لكنه قوي. يمكن أن تتزامن مع الجنسية – لكن ليس دائمًا. وهنا تكمن كل التعقيدات.

اليوم، وفي ظل هجرات جماعية وتغيرات هوية وتوترات حول العلمانية أو الاندماج، نشهد غالبًا لبساً بين هذين المفهومين. نطلب من الهوية أن تختفي خلف الجنسية. نفرض الانصهار شرطًا للانتماء. ولكن كيف نطلب من شخصٍ أو مجموعة أن تنكر ما هو وماهي عليه في أعماقه واعماقها، في حين أن هذه الهوية، هوية الأصول والجذور، هي نفسها التي تمكّنه من بناء مكان له في العالم؟

الاعتقاد بأن الجنسية وحدها تكفي لبناء وحدة بلدٍ ما هو الا وهم سياسي. لا يُبنى مجتمع متناغم فقط على القوانين والأوراق، بل على شعور مشترك بالانتماء إلى مجتمع واحد ومصير مشترك، مع احترام الاختلافات. هنا يأتي دور الأنثروبولوجيا ليعلو على الأيديولوجية وحدها: لتذكيرنا بأن الإنسان متعدد، يحمل انتماءات متراكبة، ولا ينبغي السعي إلى محو هذه الطبقات، بل إلى جعلها تحاور بعضها البعض.

نعم إذًا، إذا كانت الجنسية سياسية، فالهوية أنثروبولوجية . وطالما لم نفهم هذه الثنائية، ستبقى نقاشاتنا حول الاندماج، والهجرة، والتعددية بلا جدوى، محصورة في معارك صناعية. حان الوقت لنعترف بأن الإنسان لا يعيش فقط تحت حماية دولة، بل أيضًا تحت نظر أسلافه.

*بروتانيا La Bretagne مقاطعة بفرنسا  

إيغوصار

 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

imp

يتم التشغيل بواسطة Blogger.